استأنف القادة الأوروبيون أعمالهم في بروكسيل كالمعتاد، وذلك للمرة الأولى من دون مشاركة لندن، وذلك من أجل تحديد آفاق جديدة للمشروع الأوروبي الذي لا يزال يعاني من تبعات صدمة خروج بريطانيا. وبعد مغادرة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون مساء الثلثاء إثر المشاركة الأخيرة له في قمة أوروبية، توجهت رئيسة وزراء اسكتلندا نيكولا ستورجن إلى بروكسل لتقييم فرص انضمام اسكتلندا إلى الكتلة الأوروبية ككيان مستقل. ولم تتم دعوة ستورجن إلى المشاركة في القمة، لكنها التقت رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز ورئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر كما أعلن مجلس أوروبا بعد أن اتخذ القرار بعقد اللقاء في اللحظة الأخيرة. وكان ملفتاً إعلان رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي إثر اجتماع لقادة الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد خصص لمناقشة خروج بريطانيا، إن إسبانيا، التي تواجه إمكان استقلال إقليم كاتالونيا، ترفض أي تفاوض مباشر بين الاتحاد الأوروبي واسكتلندا. وقال راخوي في مؤتمر صحافي إن «الحكومة الإسبانية ترفض إجراء أي تفاوض مع أي جهة سوى حكومة المملكة المتحدة». وتأتي زيارة ستورجن على خلفية التوتر في المملكة المتحدة بعد تصويت الناخبين لصالح الخروج من أوروبا في الاستفتاء الذي نظم في 23 الشهر الجاري. ووافق قادة الدول الـ27 الأعضاء الأخرى في الاتحاد الأوروبي على منح بريطانيا مهلة قبل إطلاق آلية الخروج رسمياً مع التشديد على أنهم لن يقبلوا الانتظار «طيلة أشهر». وأعلن رئيس المجلس الأوروبي دونالد تاسك أمام صحافيين إثر عشاء للدول الـ28، إن قادة دول وحكومات الاتحاد الأوروبي يقرون بضرورة «إعطاء الوقت لعودة الهدوء». لكن يونكر قال إن على لندن أن تبدا «بأسرع وقت ممكن» آلية خروجها من الاتحاد الأوروبي. ولم يتراجع كامرون عن موقفه حول هذه النقطة وكرر أنه سيترك لخلفه مهمة تطبيق «بند الخروج» في إشارة إلى المادة 50 من معاهدة لشبونة. وفي مشاركته الأخيرة في قمة أوروبية، دافع كاميرون عن قراره إجراء الاستفتاء، وقال: «أنا آسف للنتيجة بالطبع، لكني لست نادماً على تنظيم الاستفتاء لأنه كان الأمر الصواب». وعلق الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند قائلاً إن كامرون «كان متأثراً ويشعر بأنه مسؤول عن هذا القرار التاريخي». وأضاف هولاند إن أحداً من المشاركين في القمة «لم يكن يرغب في إذلال كامرون، لأن ذلك كان سيعني إذلال الشعب البريطاني». في المقابل كانت الانتقادات من نصيب معسكر مؤيدي الخروج. وتساءل يونكر: «ما لا أفهمه هو عدم قدرة الراغبين في الخروج على إطلاعنا على ما يريدونه فعلاً». ومنذ الفوز المفاجئ لمعسكر الخروج، بدأ مسؤولون فيه بالتراجع عن بعض الوعود التي قطعوها خلال حملة الاستفتاء. وقالت المستشارة الألمانية أنغيلا مركل إن «الاتحاد الأوروبي قوي بما يكفي لتجاوز انسحاب بريطانيا والاستمرار في المضي قدماً حتى بعضوية 27 دولة». ودعت ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، الدول الثلاث التي تعتبر من دعائم الاتحاد ومؤسسيه والقوى الاقتصادية الثلاث الكبرى في منطقة اليورو، إلى إعطاء «دفع جديد» للمشروع الأوروبي الذي لا تزال ملامحه غامضة. وشدد هولاند على ضرورة التركيز على مجالات «الأمن ومكافحة الإرهاب والنمو والتوظيف ودعم الاستثمارات ومساعدة الشباب». وحذر يونكر من أن الدول المؤسسة للاتحاد «ليست الوحيدة التي تضع المشروع»، ملمحاً بذلك إلى وجوب عدم تجاهل دول أوروبا الشرقية التي تبدي استياء لعدم إشراكها بصورة كافية. قمة أميركية - كندية والتقى الرئيس الأميركي باراك أوباما رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو بعد ستة أيام على التصويت البريطاني والصدمة التي أثارها في جانبي المحيط الأطلسي. وانضم إلى الزعيمين اللذين أيدا بقاء بريطانيا في الاتحاد، الرئيس المكسيكي إنريكي بينيا نييتو في إطار قمة «تريس أميغوس» (الأصدقاء الثلاثة) التقليدية بين البلدان الثلاثة التي تربطها اتفاقية تبادل حر تشمل 500 مليون نسمة. وحاول أوباما طمأنة الأميركيين والأسواق بشأن تبعات مغادرة بريطانيا وأشار أمام النواب الكنديين إلى «بعض من الهستيريا» بعد إعلان نتائج الاستفتاء، مشدداً على أنه لا يتوقع «تغيرات كارثية» إثره. في الوقت ذاته، حذر ترودو من أوتاوا من إغراء «الانكفاء» و «الحمائية» على حساب النمو الاقتصادي. وتخشى الولايات المتحدة وكندا والمكسيك أن ينعكس خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في إضعاف اتفاقهم للتبادل الحر أو أن يثير تساؤلات بشأن شرعيته. وتعتبر الإدارة الأميركية أن المقارنة مع التطورات الأوروبية ليست دقيقة. وقال جوش إرنــست، الناطق باسم أوباما، إن «بلدان أميركا الشمالية اختارت سبيلاً مختلفاً يناسبنا». وأضاف: «إنها استراتيجية أفادت الاقتصاد والأمن القومي في كل من بلداننا». إلى ذلك، أعلن وزير الخارجية الأميركي جون كيري أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ربما لا يتحقق أبداً وأن لندن ليست في عجلة من أمرها لذلك. وقال خلال مشاركته في منتدى «آسبن آيدياز فستيفال» في كولورادو (غرب) إن رئيس الوزراء البريطاني يشعر بأنه «غير قادر» على التفاوض حول خروج البلاد الذي لم يكن يريده أصلاً. وأضاف كيري الذي كان زار كامرون في مقره في لندن الإثنين: «إنه طلاق معقد جداً»، في إشارة إلى المفاوضات من أجل خروج بريطانيا.
مشاركة :