دفاع الفاروق عن حقوق أهل الذمة (1)

  • 7/1/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

وَصل إلى الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، كتاب من سعد بن أبي وقاص وغيره من قادة الفُتوحات الإسلامية الكبرى التي فتحها الله على المسلمين بدءاً ببلاد فارس، فالشام، فمصر، يعرضون عليه أَمْراً جلَلاً حارت فيه الأفهام وتحيرت فيه العقول، ولم يستطع أولئك القادة أن يتَّخذوا فيه قراراً حاسما يَقْطع الخلافَ الذي اشتدّ بين الصّحابة حول الموقف من أرض السّواد الزراعية في العراق وما شابَهَتها من أراضي الشام ومصر، ذلك أنَّ أولئك الفاتحين قد انقسموا إلى فريقين منهم مَنْ يرى وجوب توزيع هذه الأراضي المفتوحة على الغانمين لأنها داخلة في عموم قوله تعالى في سورة الأنفال ﴿واعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾. أي أنَّ خُمس الغنيمة لبيْت المال، بينما أربعةُ أخماسها للمقاتلين فما ثبت صراحَةً بالقرآن لا يرُدَّه رأيٌ ولا قياس. وعندما هَمَّ الفريق الثاني بالتأنيّ في الأمر حتى يَراجع عمر - رضي الله عنه - قالَ نفرٌ منهم لقادتهم: (والله إنما هي أرضٌ فتحها الله، عز وجل، علينا وأوْجفْنا عليها خَيْلَنا ورجالنا وحَوْينا ما فيها) (القسطلاني: ارشاد السارى 5:208). ولقد أحْسن هؤلاء القادة صنعاً عندما تريَّثوا في الاستجابة لهم على الرّغمِ من أَنَّ المطالبة بتوزيع الأراضي المغنومة كانت شديدةً ومُلِحّة على القادة. وتكشفُ المراسلاتُ بين عمر من جانب وقادة الفتوحات من جانب آخر أنّ عمر قد اْعتمد على الاجتهاد أوّلاً في هذه القضية متسائلاً: إنّ هذه الأراضي الشّاسعة الواسعة لو وُزِّعت بين المقاتلين لم يبق لمن بعدهم شيء، وسوفَ يتعاقَبُها ورثتُهُم ولا نشغل هؤلاء المجاهدين- بالفلاحة والزراعة، ولا عَهْدَ لهم بها عن الجهاد والدعوة إلى الله، وإنّ هذا التقسيم سيُضعف موارد الدولة الإسلامية المالية ويهزَّ من اقتصادها وقوّتها كما تُضعف حركة الجهاد لعدم ضمان الدّعم الماديّ له من تجهيز الغزاة وأُعطياتهم وتُسّبِبُ أضراراً اجتماعيةً بالغةً إذ إنَّ ضعف الدّخل العام يُعجز بيت المالَ عن كفالة الأيتام والأرامل فَضْلاً عن مصلحة أهل الذمَّة من غير المسلمين المقيمين في دار الإسلام، وترغْيباً لهم في دخول هذا الديّن، وما إلى ذلك من أضرارٍ اقتصادية وسياسيَّة ودعويَّة واجتماعية في الحال وفي المآل. لكن هذا الاجتهاد في نظر تلك الفئة المعارضة لَمْ يكن موضع قناعة وقبول في الوقت الذي أصرّوا فيه على استدلالهم بآية الغنيمة التي تُصَرِّح بأنّ جميع الغنيمة للغانمين لا سيّما وأنَّ القرآن الكريم قد أكَّد ذلك بقوله تعالى ﴿أَنَّمَا غَنِمْتُم﴾، و(ما) من ألفاظ العموم، وأكَّد هذا العموم أيضا بقوله ﴿مِّن شَيْءٍ﴾ أي كلُّ شيءٍ دقَّ أم جَلَّ فأصل الكلام (غنمتم شيئا) وإنما دخل عليه حرفُ الجرّ (مِن) زيادةً في التأكيد والتعميم. وهنا لجأ المسلمون إلى التحكيم، وتَّم اختيار عشرة من أشراف الأنصار: خمسةٌ من الأوس وخمسةٌ من الخزرج للفصل في هذا النزاع. وبعد أن استمعت اللجنة إلى رأي المعارضين في حُجتهم من آية الغنيمة التي ذكرناها لتشتمل كل ما دَقَّ أو جَلَّ منها ظهر عمر عليهم باْستنباط قرآني آخر لم يكن يجري في خلدِ هذا الملأ وَوَجَّه الانتباه إلى آيات الفيء في سورة الحشر تحلْيلاً واستدلالاً وربطاً بآية الغنيمة. الحجَّة في كتابِ الله يحلو لنا أن نقتبس رواية أبي يوسف من كتابه (الخراج) قال عمر: لقد وجدْتُ الحجَّة في كتابِ الله الذي ينطق بالحق، فقرأ الآيات من سورة الحشر ﴿مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ﴾. فقال: هذه نزلت في شأنِ بني النّضير، أما الآية التالية: ﴿مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ﴾ فقال: هذه عامة في القرى كلها.

مشاركة :