عندما تتحول خيم اللاجئين تتحول الى مصانع

  • 7/1/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

بدأ كلامه بسرد عدد النازحين الموجودين واحتياجاتهم وصورهم المأساوية واحتياجاتهم الأساسية، وكيف أنهم فاقدون لكل أمل للحياة، فرد عليه صاحبي: هل من ضمن هؤلاء النازحين مَن يستطيع الخياطة؟ فرد عليه زميلنا وعلامات الاستغراب تملأ وجهه نعم! ولكن لماذا هذا السؤال، فرد صاحبي: اذهب ومعك ماكينة للخياطة هذه، فاستشاط صاحبنا غضباً، أخبرك أن هناك ألاف الأشخاص في الخيم وأنت تعطيني ماكينة خياطة! هذه بداية قصتنا عن النازحين في مدينة السليمانية شمال العراق والآتين من منطقة صلاح الدين على بعد 100 كم شمال بغداد. اعتدنا دائماً أن نسوق للشخص اللاجئ أو النازح على أنه يائس وفاقد للأمل، وأيضا "عالة على المجتمع" في أحسن الأحوال، فارتبطت الصورة الذهنية لدينا بأنهم مستهلكون لا أكثر، وهذه الانعكاسات الذهنية امتدت لتشمل النازحين أنفسهم، فبدوا بالاعتياد على دور الضحية المستضعفة فأصبحوا لا يجدون سواها، فكانت إحدى أهم أولوياتنا تجاههم هي إرجاع الثقة في أنفسهم، وكسر هذه الصورة الذهنية التي صنعناها لهم عن أنفسهم. نكمل مع صاحبنا، عندما لم يحصل من صاحبي سوى على ماكينة الخياطة، بدأ ببث الرسائل السلبية، فأوقفه صاحبي وقال له: هؤلاء الذين تتحدث عنهم هم كانوا يديرون مجتمعاتهم ومدنهم التي كانوا يقطنون فيها، أليس منهم مدرسون وحرفيون وطلاب جامعات؟! هذه القوة البشرية الهائلة التي لو أحسن استثمارها لأصبحت قوة عمالية لا يستهان بها، وتواعدنا على نلتقي بعد ثلاثة أشهر لتقييم جدوى المشروع. فنحتاج إلى ننظر إلى معاناتهم من زاوية أخرى، فهم ليسوا فقط بحاجة إلى الغذاء وإنما هم بحاجة إلى التعليم والترفيه والتأهيل النفسي، ربما يعتبرها البعض ترفاً، ولكن هل فكرنا في الأمر من زاوية أخرى؟! عندما يعود هؤلاء النازحون إلى مدنهم ويبدأون يفيقون من هول الصدمة التي كانوا يعيشيون فيها، يكتشفون في أحسن الأحوال أن أقرانهم تجاوزوهم بأربع أو خمس سنوات على أقل تقدير، فنعود إلى المربع الأول، إلى تلك العجلة التي يجب أن نخترعها مراراً وتكراراً. يتصل صحبنا بعد شهرين والارتباك واضح عليه، "لا أعرف من أين أبدأ، ولكن بدون مقدمات بدل الماكينة أريد ستين ماكينة!! هذه كانت أولى كلماته، فبعد الاعتراض الشديد في الأمر الأول وكمية السلبية التي كان يبثها، أخبره صاحبي ما هو السبب المفاجئ لهذا التغيير؟!، فبدأ باستجماع أنفاسه وبدا بسرد قصته علينا. فمراكز التأهيل التي تعطى للنازحين وورشات العمل التي سوف يأخذونها تبدأ بتحويل هذه القوة البشرية المعطلة إلى جيش من العمال، فيخرج منهم الحرفي والمهني والبناء والخياط وحرف لا حصر، فقط إذا غيرنا من استراتيجيتنا بالتعامل معهم فيصبح قوة عمالية متكاملة جاهزة للإنتاج في حال عودتهم إلى مجتمعاتهم، التي سوف تخرج غالباً مدمرة البنى التحتية نتيجة المعارك التي سوف تحدث أثناء الاقتتال. يسترسل صاحبنا في الحديث: عندما ذهبت إلى تجار الأقمشة لأفاتحهم بمشروع الخياطة أو كلمة كانت "هذه المرة على حسابنا" دعماً لهم في عملهم، ويذكر صاحبنا أن هذه الماكينة وفرت الملابس لعشرات المحتاجين داخل المخيم. وبدأ صاحبنا يفكر على غير طريقته السلبية المعتادة، فأخبرنا أنه افتتح مراكز لتعليم الشباب على التسويق لغرض تسويق المنتجات وغيرها من الدورات التطورية، بالإضافة إلى ورشات عمل في الحياكة وغيرها الكثيرة التي لا لا تسعفني الذاكرة في استجمعاها الآن. إن للإنسان طاقة جبارة إذا ما استثمرت في إطار عمل منظم ووضعت ضمن سياقها الصحيح وتحركت وفق منظومة القيم المجتمعية، ستدرك أن هذا الإنسان إذا صدق العزيمة سوف يستطيع أن يغير كثيراً من الأمور، فهذه الإمكانات لم تهب إلا لك لغرض محدد وهو إعمار الأرض. ختاماً، قال صاحبي: هذه ثماني ماكينات إضافية فنرى ماذا سوف تصنعون! انتهى الحوار بيننا، ولكن في الطرف الآخر هناك مولود بدأت تتشكل ملامحه لحظة انتهاء حديثنا، هذا الذي وُلد من رحم المعاناة، وسميناه مجازاً "طموح العائلات" تلك العائلات التي كانت تحلم بأن تسد "حاجتها"، ناهيك عن سد احتياجات الآخرين، ولكن الآن أصبحت لا ترضى بأقل من تصدير منتوجاتها إلى المدينة. هذه رسالة بسيطة عن كيفية التعامل مع الأمور بغير الطريقة التي اعتدنا عليها، فكرة بسيطة حوَّلت بها حياة عشرات الأشخاص من مستهلكين إلى منتجين من عالة على المجتمع إلى مساهمين في المجتمع، تخيل يا صديقي ماذا لو أصبحت هذه هي ثقافة مجتمعية، تسير في فلكها منظمات مهمتها هي التأهيل والتطوير فكيف سوف يكون حالهم في المجتمع؟! ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :