لمنطقة الحجاز سحرها الخاص، وبريقها الذي يكشف عن ثقافة مميزة تثير فضول وإعجاب من يسكنون بعيدًا عنها، وكتب في الحجاز وأهلها الكثير من الكتب والحكايات والتي تنوعت ما بين معاني النبل والشجاعة والإقدام والأدب والفن. ونعرض في هذا التقرير أحد أهم المعاجم التي كتبت عن الأمثال الحجازية الشهيرة، والتي تعبر عن ثقافة وحياة وتفكير أهل الحجاز على امتداد السنوات الطويلة. ويهتم معجم «الأمثال الشعبية في مدن الحجاز» الذي يقع في 935 صفحة من الحجم الكبير بجمع وتبويب وتأليف وتعليق الأستاذ فريد عبدالحميد سلامة بتوثيق وتسجيل لمعظم ما يخص هذه المنطقة التاريخية وسكان مدنها. والكتاب هو جزء من موسوعة وصف الحجاز التي تحتوي وصفًا شاملاً عن نواحي الحجاز والأماكن والعادات والتقاليد وطرق معيشة السكان وبيوتهم ومأكولاتهم وملابسهم وألفاظهم وتراكيبهم الشعبية، وقد اهتم الجزء الخاص بالأمثال بتسجيل وتوثيق الأنماط الفكرية لسكان مدن الحجاز وطريقة معالجتهم لأحداثهم المختلفة. ويلاحظ أن الكثير من الأمثال تلفظ عند عامة سكان البلاد العربية بشبيه اللفظ وأن تحور بحسب طريقة النحت المميز لكل لهجة عربية. يقول المؤلف: إن المثل صورة صادقة لتجارب الناس بكل ما تحمله الكلمة من خير وشر وبكل ما بها من غريب ألفاظ وسجع وأسماء مخترعة، وغيره الكثير من الاغراض، حيث إنه السخرية اللاذعة والحكمة الرادعة. ويضيف: إن الهدف من الكتاب هو خدمة وتوثيق جزء من كنوز تراثنا الجميل، حيث يكشف الكتاب عن الكثير من الحقائق والأمور التي كانت غير معلومة عن اللهجة الحجازية أو معاني مفرداتها، كما يزيح الغموض عن ثقافات معينة وعن تفكير معين في مواقف مختلفة. يضم الكتاب أكثر من ثلاثة آلاف مثل، وأكثر من أربعة آلاف مثل شبيه بلفظ مختلف وكذلك الآلاف من الألفاظ الحجازية التي جمعها المؤلف من أفواه الناس عامتهم ومثقفيهم، كما اهتم الكتاب أيضًا بتدوين أمثال المثقفين والتي تقارب الفصيحة؛ ولكنها تنطق بلهجة عامية. ومن الأمثال التي وردت في الكتاب: «اللي تجيبه الريح ترحبو الزوابع» ويضرب هذا المثل الحجازي في المستعجل يذهب كما جاء بعجله، وفي الأمثال العربية يقال (وقد يكون مع المستعجب الزلل). ومن الأمثال أيضًا «اللي تسكر به سرج به» ويضرب هذا المثل في الاقدام على أمر غير ضروري والانفاق فيه مع الاحتياج لما هو ألزم منه؛ بمعنى إنه من الأولى بك وأنت فقير تحتاج ضوءًا لمنزلك أن تسرج بما تسكر به. ومن الأمثال أيضًا «عداوة البطن ألف يوم» ويضرب فى العداء بين الإخوان، لا يطول، وكذلك يؤخذ بمعنى آخر، وهو شكوى البطن مما يلم بها، فيظل أثر الداء على اعتقادهم لثلاث سنوات: ويقولون أيضًا عداوة البطن أربعين يوما. ومن الأمثال المذكورة بالكتاب «الناس في الناس والعنزة في النفاس» ويضرب هذا المثل في اللاهي عما هو أمامه بشيء بعيد، ويقال أيضًا الناس في الناس والبسة في النفاس. ومن الأمثال كذلك «حرامي مزاح لا جا ولا راح» ويضرب على من يتشبه بفعل الشر ولا يفعله، وفي اللص حين لا يستطيع سرقة شيء. مؤلف الكتاب «سلامة» ساق الكتاب هدية الى روح المرحومة بإذن الله تعالى فضيلة فاضل بغدادي والدة الأساتذة حسان ومازن محمد كعكي وحمزة صدقة جزار على المراجعة والتوثيق للأمثال، مع إشارة ترد فضل دعم العمل والإنفاق على تمويله للدكتور عبدالله صادق دحلان، الذي حرص على أن يخرج هذا العمل بصورة فاخرة وأنيقة تكون كفاء للتاريخ الاجتماعي وثقافة منطقة الحجاز على مر الحقب والسنوات. المزيد من الصور :
مشاركة :