طرابلس رويترز عندما أصابت ضربةٌ جويةٌ أمريكيةٌ صبراتة غربيّ ليبيا في الـ 19 من فبراير الماضي؛ سوَّت مبنى على المشارف الجنوبية للمدينة بالأرض وقتلت عشرات المتشددين كاشفةً عن شبكةٍ من خلايا تنظيم «داعش» الإرهابي تعمل على مقربةٍ شديدةٍ من حدود تونس. لكن الضربة قلبت أيضاً حياة 3 شاباتٍ تونسياتٍ كُنَّ متزوجاتٍ من مُتطرفين قُتِلُوا حينها أو بعدها. والشابات محتجزاتٌ حالياً مع أطفالهن في سجنٍ في طرابلس. وتُلقِي رواياتهن، التي جاءت في مقابلةٍ نادرة، الضوءَ على كيفية تمكُّن التنظيم الإرهابي من التحرُّك في وقتٍ سابق داخل صبراتة، بينما كان أعضاؤه خاصةً التونسيين يدبرون لهجماتٍ في بلادهم. وذكرت رحمة الشيخاوي، زوجة نور الدين شوشان الذي يقول مسؤولون إنه قياديّ متطرفٌ لَقِيَ حتفه في ضربة الـ 19 من فبراير، أن بعض المتشددين ظلوا في صبراتة استعداداً للانتقال إلى سرت أو إلى سوريا. لكن معظمهم كان يخطط لعملياتٍ في تونس و»يشتري السلاح أمام أعين جيراننا»، بحسب رحمة البالغة من العمر 17 عاماً. ومنذ فترةٍ طويلة؛ يعمدُ مسؤولون محليون في صبراتة إما إلى نفي وجود «داعش» في مدينتهم أو التقليل من شأن ذلك. لكن المسؤولين الأمريكيين والتونسيين ينسبون إلى شوشان لعِبَ دورٍ رئيس في الإعداد لهجومين كبيرين استهدفا سيَّاحاً في تونس العام الماضي، ليوضَع بعدها على قائمة المطلوبين. وأول الهجومين استهدف متحف باردو، أما الثاني فوقع على شاطئ في منتجع سوسة. وأفادت رحمة بأن السلطات لم تأتِ إلى صبراتة للبحث عن زوجها «رغم أن الكل كان يعرف مكاننا»، مستدركةً «لم يتغير الأمر إلا بعد الضربة». هيكلٌ أكثر تراخياً وبدأ التنظيم الإرهابي يتوسَّع في ليبيا أواخر عام 2014 عندما عاد مقاتلون من «كتيبة البتار» التي يهيمن عليها الليبيون إلى مدينة درنة شرقي البلاد قادمين من سوريا على الأرجح. وفي العام التالي؛ انضمت المجموعة إلى حملةٍ عسكريةٍ في بنغازي وسيطرت تماماً على سرت. ونفَّذت أيضاً هجماتٍ في طرابلس بعدما اندمجت مع مقاتلين محليين من جماعة «أنصار الشريعة» المرتبطة بتنظيم القاعدة الإرهابي. لكن «داعش» أخفق في تحقيق تقدمٍ سريعٍ على الصعيد الليبي نظراً لما وجده من عناءٍ في جمع إيرادات أو الفوز بتأييدٍ واسع في المجتمع. ويلحظُ سكان ومسؤولون أن التنظيم بات يستقطب مقاتلين أجانب بشكلٍ متزايد خاصةً من تونس. وأقام التنظيم دويلةً في سرت تتبِع نهجاً كالذي تبنَّاه في العراق وسوريا. وفرض عناصره ضرائب على السكان، وطبَّقوا قواعد صارمة فيما يتعلق بالملبس والتعليم، ونفذوا عقوباتٍ علنية بما فيها عقوبة الإعدام، ثم فقدوا بعد ذلك أجزاءً من المدينة سيطرت عليها قواتٌ مواليةٌ لحكومة الوفاق الوطني. لكن في صبراتة حيث يشيع وجود التونسيين؛ كان هيكل «داعش» أكثر تراخياً حسب رواية السجينات. وتحدثت رحمة الشيخاوي قائلةً «لم يكن هناك قائدٌ في صبراتة، كل واحدٍ كان يتولّى أمره»، لكنها أضافت أن التركيز الرئيس كان ينصبُّ على التوغل إلى الداخل التونسي. أما أختها غفران، التي كانت متزوجة أيضاً من عضوٍ في التنظيم، فلاحظت أن المقاتلين المتطرفين في المدينة كانوا منقسمين إلى خلايا مستعدة لتحدي الهيكل الإداري لتنظيمهم. وأكدت غفران البالغة من العمر 18 عاماً «كل مجموعةٍ لها أميرٌ يعمل وفق استراتيجيته الخاصة، البعض كان يصنع جوازات سفرٍ إلى سوريا والبعض كان يتولى أمر تونس وآخرون مختصون بأمر ليبيا»، مُتذكِّرةً «كانوا يطلبون دائماً توجيهات من الأمير في سوريا وكان يطلب منهم إطاعة الأمير في سرت لكنهم كانوا يرفضون ويتخذونا لقرارات بأنفسهم». اشتباك لكن أفراد الكتائب المحلية في صبراتة، الذين يُطلَق عليهم «الثوار» لدورهم في انتفاضة 2011 ضد معمر القذافي، لم يتحركوا ضد مقاتلي «داعش» إلا بعد الضربة الجوية في فبراير. فمع تحليق الطائرات فوق المدينة؛ بدأ السكان يتعقبون مقاتلي التنظيم الإرهابي لأنهم كانوا يخشون مزيداً من الضربات، حسبما قالت السجينة التونسية الثالثة وحيدة بن مختار الرابحي. وفرَّت وحيدة بابنها البالغ من العمر عامان وغفران وطفلتها ذات الخمسة الأشهر جنوباً باتجاه الصحراء بصحبة زوجيهما. وروت وحيدة أنهم ظلَّوا بلا طعام ليومٍ كامل بينما كانوا يحاولون الترتيب للذهاب إلى بلدة الزاوية القريبة. وأضافت «الاشتباكات بدأت وأصيب ابني براء برصاصات في بطنه وظهره، في تلك اللحظة بدأ زوجي يصيح: معنا نساء وأطفال، لكن الثوار لم يتوقفوا لأنهم كانوا يعرفون أننا قد نفجِّر أنفسنا» على غِرار ما يفعله المنتمون إلى التنظيم الإرهابي. وتابعت وحيدة قائلةً إن الكتائب المحلية فتشتها ثم سلَّمتها إلى قوة الردع الخاصة في طرابلس التي أخذتها للتعرُّف على جثة زوجها. وعولج ابنها في مستشفى محلي قبل نقلهما إلى السجن في العاصمة حيث يوجد أيضاً عشرات المشتبه بانتمائهم لـ «داعش». ورغم ضبابية المستقبل في ليبيا؛ لا ترغب السجينات في العودة إلى تونس حيث عانين الفقر والتعقُّب بسبب نهجهن. وتقول وحيدة «أريد أن أكون سعيدة مع ابني، أريد أن أعود إلى حياتي، لا أريد لابني أن يكبُر في السجن».
مشاركة :