ظافر جلود (دبي) لم يكن الراحل تريم عمران (1942-2002) شخصاً عادياً، بل كان سياسياً وإعلامياً إماراتياً بارزاً، وعقلاً خلاقاً ترك بصمات خاصة خلال مسيرته في مجالي الصحافة والسياسة. عاصر مع شقيقه الراحل الدكتور عبدالله عمران تريم قيام وتأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة، ويعد من رموز الإعلام العربي من خلال قيادته لمؤسسة دار الخليج للصحافة والطباعة والنشر، التي تولى رئاسة مجلس إدارتها حتى وفاته بتاريخ 16 مايو 2002، كما كان تريم إنساناً يشعر بمن حوله وبآلامهم ويضعها على رأس اهتماماته، حيث سخّر حياته من أجل إعلاء الشأن الإعلامي والثقافي، وشارك مشاركة فاعلة في الحياة السياسية، حيث تولى رئاسة المجلس الوطني الاتحادي في الدولة منتصف السبعينيات. عاش تريم مسيرة الاتحاد وأمجاده وإنجازاته، ويحسب له الكثير من الأعمال الوطنية، فمنذ كان شاباً عمل بكل بجد وإخلاص مع الرعيل الأول لتثبيت أركان اتحاد دولة الإمارات العربية وتقوية بنيانه، وحين نتذكره فإننا نذكر دائماً السياسي المحنك، والصحافي المهموم دائماً بقضايا وطنه وأمته، بعد أن استطاع بفكره المستنير وضميره العربي الأصيل، أن يعكس العديد من قيم الإمارات العربية المتحدة الأصيلة، هذا الفكر الأصيل اكتسبه من الآباء المؤسسين، وأخذ يكرسه في عمله وحله وترحاله حتى أضحى مثالاً يحتذى به في العمل المخلص لرفعة الوطن وخدمة أهله ومجتمعه. ولد تريم عمران تريم في إمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة عام 1942. بدأ سنواته الدراسية الأولى في مدرسة القاسمية بمدينة الشارقة، والتحق بمدرسة الشويخ في الكويت، وأكمل دراسته الجامعية في كلية الآداب بجامعة القاهرة. انطلقت حياته المهنية في التدريس يوم عمل في»ثانوية العروبة»، ثم مديراً لمدرسة المعارف في الشارقة، وإلى جانب العمل الصحفي ترأس مجلس إدارة «مركز الخليج للدراسات»، الذي يصدر تقارير سنوية وكتباً متنوعة تبحث في القضايا العربية عامة والخليجية خاصة، كما ترأس مجلس إدارة «مؤسسة تريم عمران تريم للأعمال الثقافية والإنسانية». وأصدر الراحل مجموعة من المؤلفات حول قيام دولة الإمارات العربية المتحدة والتعليم والتنمية. وشارك في الكثير من الندوات والمؤتمرات المحلية والإقليمية والدولية في مراكز الأبحاث المتنوعة، وكان عضواً فاعلاً في الكثير من مراكز الأبحاث والدراسات والمنتديات الفكرية والاقتصادية والسياسية. في عام 1977 انتخب رئيساً للمجلس الوطني الاتحادي لدورتين متتاليتين، حيث أعطى التجربة البرلمانية الإماراتية في تلك الفترة زخماً من خلال التركيز على القضايا المتصلة بدعم الاتحاد الجديد، وتكريس حضور الدولة الاتحادية ضمن الأسرة العربية، حيث خرجت النقاشات من قالب النمطية، واختفت قولبة الأحاديث في نطاق المناطقية، وفردت المصلحة العامة مظلتها فوق السقف البرلماني، وحلت عمومية الأهداف، وتسارعت وتيرة العمل النيابي، وسجل تريم عمران تريم اسمه بارزاً خلال الدورتين التشريعيتين اللتين استمر فيهما على المقعد الرئاسي للمجلس. شغل تريم عمران عدة مناصب، فكان عضواً مشاركاً في مفاوضات تشكيل اتحاد الإمارات العربية المتحدة، وتم اختياره من قبل المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ليصبح أول سفير للدولة في جمهورية مصر العربية، ورئيساً لوفد الإمارات في الجامعة العربية حتى عام 1976، وكان عضواً مؤسساً في منتدى التنمية لدول مجلس التعاون الخليجي، وعمل نائباً لرئيس مجلس أمناء مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، وكان رئيساً للجنة الإمارات للتكافل الاجتماعي، وعضواً في مجلس أمناء مركز دراسات الوحدة العربية. وقد مارس مع مجموعة من الدبلوماسيين الإماراتيين العمل الدبلوماسي لمدة خمس سنوات بكفاءة مشهودة، وكان قارئاً جيداً للشؤون العربية، وكثير التردد على الدورات التي تعقدها الجمعية العامة للأمم المتحدة. في عام 1980 تفرغ تريم للعمل الصحافي رئيساً لمجلس إدارة دار الخليج للصحافة والطباعة والنشر، التي أسسها مع شقيقه الدكتور عبد الله عمران تريم، وخلال رحلته ما بين الصحافة والسياسة صنع اسماً بارزاً، وكتب لوطنه ولنفسه في صفحات التاريخ حضوراً لا يسقط من الذاكرة.
مشاركة :