كل فرد منّا تأتيه الفرصة تلو الفرصة لتغيير حياة الآخرين للأفضل ويتساوى في ذلك معظم الناس مهما كانت الإمكانات والقدرات. وبطبيعة الحال ستكون الفرص أكبر والجدوى أعظم لمن آتاهم الله المال والسلطة لأن صاحب هاذين العنصرين مقصد من يبحثون عن مفاتيح حل كثير من المشكلات. والفرص لا تأتي عادة بمواعيد محددة يمكن التخطيط لها ودراسة الموقف منها، بل تأتي في معظمها بغتة وكأنّها تنتظر قراراً من كريم أو مبادرة من رحيم. على سبيل المثال قد يكون لك جار في أقصى الشارع ينتظر منذ سنوات شهماً يفك أزمته أو يحلّ عقدة بيروقراطية تعترض سبيل تقدم حياته أو تطوير مستوى أبنائه وأنت تملك ذلك ولكنك لم تبادر. نعم قد يكون سبب عدم المبادرة من قبلك هو انشغالك أو ربما لقناعتك بكثرة المحتالين أو لأنك ممن يعتقد أن الناس لا يحسنون إدارة حياتهم بشكل أفضل كما تفعل أنت؟ كل هذه التبريرات صحيحة ولكنك أيها القادر غير المبادر أحوج للمبادرة ممن يحتاجها فعلاً. نعم أنت أكثر حاجة لتزكية النفس وتطهيرها لأن الروح لا تطمئن والنفس لا تستكن إلا بالعطاء والبذل ومد يد العون للآخرين. ولو تأمل كل فرد منّا فيمن حوله من بسطاء الحال الذين يراهم ولا يراهم سواه ممن يعملون معنا في المنازل أو يكدحون في الشوارع والمكاتب لوجد كثيرا من الفرص المجّانية ليعطي ويغير وضعهم للأفضل. وحتى اذا قصرت اليد عن كريم العطاء لسبب من الأسباب فلا تمسك اللسان عن جميل الكلام فبعض الكلام وقود الدعم العاطفي ورب كلمة وعاها قلب واحتاجتها روح فغيرت مستقبل صاحبها وبوصلة تفكيره. أتاني قبل سنوات بعيدة شاب مكافح ينشد المساعدة في وظيفة متواضعة بعد حصوله على الثانوية العامة وبعد نقاش اكتشفت أن هذه الوظيفة كانت سقف الطموح الذي ورثه من عائلته البسيطة. قلت للشاب عندي لك فكرة لماذا لا تصبر اربع سنوات تنهي فيها الجامعة ولك عندي وظيفة أفضل وستحصل على أربعة أضعاف مرتب هذه الوظيفة البسيطة التي تحرص عليها. غادر الشاب مكتبي مقتنعا حائرا وبعد خمس سنوات وجدته مديرا لمكتب مسؤول كبير ولما رآني هشّ وبشّ وذكرني الموقف وبشرني بأن دخله الشهري اليوم يتجاوز طموحه القديم بكثير وانه ينتظر قبول الماجستير. شاب آخر كبير الطموح متواضع المؤهل الدراسي لظروف أسرية وشخصية هو اليوم شخصية إيجابية منتجة بعد أن تكفّل مديره (بشكل شخصي) بتكاليف دراسته حتى وضعه على الطريق ثم قال له اليوم أنت تمكّنت ولم تعد بحاجة إلى رعايتي. وهنا وهناك عشرات القصص التي غيّرت حياة الناس بشكل إيجابي بسبب لفتة إنسان قرّر أن يكون لحياته معنى في حياة الآخرين فاتخذ موقفا حين تخاذل الآخرون عن قرار أو مبادرة. وختاماً اعلم أيها الإنسان أنّك حينما تبلغ من العمر عتيّا لن يرافقك في أغلب أيامك إلا شريط ماضي حياتك وستكون ذكرياتك هي معظم زادك فما أعظم أن يكون لك أثر حسن على غيرك ممن حرموا أو تاهوا وكنت سبباً لحياتهم الأفضل. وحتى تقوّي حس المبادر فربما عليك أن تسأل نفسك ومن تحب: كم شخصاً غيّرت حياته للأفضل؟ قال ومضى: إذا لم تستطع إسعاد مهموم فلا تكن سبباً للمزيد من أحزانه.
مشاركة :