لا تشخيص صحيحاً للحالة وقت الأزمات ونحن نعيش أزمات الربيع المتلاحقة التي لا تساعد على رؤية سليمة لمستقبل الأحداث المتلاحقة والمترتبة على بعضها، فالحالة الضبابية التي تُثيرها الأحداث المتسارعة في حياتنا العربية هذه الأيام لا تعطي الفرصة لسبرها، وتحديد رأي واحد حولها. مثلاً فشل حزب الإخوان المسلمين في الحكم، وفشلهم كان خيبة أخرى تضاف إلى الخيبات المتكررة في المشروع العربي. والإخوان المسلمون هم حركة اقتصادية من نسيج المجتمع قبل أن تكون حركة دينية مغلقة للتنظيم، فحركة الإخوان في الأصل كانت ردة فعل الخمسينيات على المشروع العربي أُسِّست بتشجيع غربي لمواجهة المد الاشتراكي، والفكر العروبي الوحدوي بتصوّر تجمُّع إسلامي مغلق مضاد كمقاومة للمشروع العربي.. في حزيران (يونيو) (67) كارثة حقيقية عشنا في ظلامها بين راديكالية الإسلاميين وفشل التنويريين قرابة نصف قرن، حتى جاء وهم الربيع العربي قبل سنتين لنكتشف حقيقة الهزيمة، والضعف في البنيات السياسية القائمة، لأن البنيات السياسية العربية تجاهلت المكوّن الأساسي في التنمية، وهو الإنسان، وركزت على سلوك استهلاكي في حياة الفرد العربي تقوده النخب الثرية لا النخب الذكية، وهذه هي كارثتنا الاجتماعية، فنحن في حاجة لفكرة التنمية قبل التطور الاستهلاكي، وفي حاجة لتغيير اقتصادي جذري ينهي ما هو قائم من فكر مهزوم، ويحرّك مشروعاً تنموياً مختلفاً في السياسات الاقتصادية بصفتها مفتاح الحلول للعالم العربي. كل ما حدث في الـ 50 سنة الماضية كان فكراً للاستهلاك، أودعنا للاستهلاك المفرط الذي أدّى لتناحر سياسي لاستهلاك موارد العرب المتاحة دون التفكير في تنمية مستدامة أو سياسات عادلة في توزيع الثروة للمجتمع، وهذا أدى إلى سقوط الساسة والسياسات في أزمات معقدة. تشخيص الحالة العربية وفهمها لا يكفي للقول إن الحلول قاب قوسين أو أدنى.. نعم هناك يقظة بمشكلة العرب لكن العمل السياسي العربي في سبيل الحلول لن يأتي بين يوم وليلة، فسياسات واعية تحتاج إلى اقتصاد قوي يسندها، وعمل تنموي ضخم لا تتوافر له الظروف الآن بشكلٍ كافٍ. مخرج العالم العربي بكل التصورات هو فكر تنموي جديد يأخذ في الحسبان العدل الاجتماعي وتوزيع الموارد وتوظيفها في التنمية لمصلحة الجميع بدل تركزها في التجارة وأيدي المستغلين التي تؤدي إلى رغبة هذه الفئات في التسلط تحت ستار الدين أو التنوير أو أي ستار آخر.
مشاركة :