حمّل مثقفون وفنانون شركات ومؤسسات الإنتاج الفنية في الوطن العربي مسؤولية تواري المضامين الجيدة والراقية وتراجع مستوى الموسيقى العربية، وتغييب القصيدة عن كل المشاريع الإنتاجية، بعد أن كانت تشكل عصب الغناء والموسيقى العربية، ومحورا جوهريا في الحياة الاجتماعية خاصة في مجتمع الحجاز على مستوى المملكة، والذي شهد أول التسجيلات الفنية قبل أكثر من قرن. واستعاد الفنان السعودي محروس الهاجري الذي اشتهر محليا وخليجيا منذ 4 عقود بأغنيته "غدار يا بحر" التي كتب كلماتها الشاعر جواد الشيخ، تجربة غنائه قصيدة "الصيف" للشاعر أمل دنقل الذي حلت ذكرى رحيله في 21 مايو الماضي، حيث توفي في 1983 عن 43 عاما. دور المشري عام 1400 نشرت صحيفة "الجزيرة" قصيدة الصيف، تلقفها صديقي الشاعر جواد الشيخ، وعرضها علي، فانبهرت بها، وحين أمعنت فيها، قلت هذه لابد أن تلحن فبدأت تلحينها، ثم عرضتها على محروس، فغناها. ثم شاركنا بها في الأسبوع الثقافي السعودي بالجزائر في مارس 1984، بعد عام واحد على وفاة أمل دنقل، وأذكر يومها أن المذيع ماجد الشبل -رحمه الله- رفض حين تقديمه محروسا للغناء، ذكر اسم كاتب القصيدة أمل دنقل، وحاولنا معه أنا ومحروس، ولكنه كان رافضا دون أن يفصح لنا عن السبب!، أتذكر أن الأغنية كانت حديث المجالس الثقافية تلك الفترة، حيث إن الراحل الروائي عبدالعزيز مشري -رحمه الله- كان يعشق تلك القصيدة، وتعلم العزف على العود من أجل غنائها، وهنا لابد أن أشير إلى أن المشري هو الذي التقى دنقل في القاهرة، وأسمعه اللحن، وحصل لنا على تنازل خطي من الشاعر وحمله إلينا. وأنا كان لدي مشروع كبير لغناء عدة قصائد لعدد من الشعراء، بعض القصائد ألحانها كانت جاهزة، فقط بقي التنفيذ، لكن توقفنا، لعدم وجود منتج يتبنى مثل هذه الأعمال الفنية، لكن في ظل المتغيرات الجديدة، أبقى متفائلا، فنحن كما قال سعدالله ونوس نبقى "محكومين بالأمل". عبد الرحمن الحمد فنان وملحن موسيقي كنت شاهدا تلحين وغناء القصيدة، يتوقف على مضمونها، فكلما كانت لغتها الشعري مكثفة وسلسة كلما كان من السهل تلحينها وغنائها، لكن العصر الذي نحن فيه الآن صعب، وشركات الإنتاج هي التي تتحكم في السوق، هي التي قتلت غناء القصيدة، بل قتلت الأغنية عموما بفرضها معاييرها وشروطها التي تستهدف الربح أولا وأخيرا، وإلا فلنتساءل أين الفنان القدير خالد الشيخ أين عبدالمجيد عبدالله؟ مثلا. تجربتي مع ألحان القصائد للملحن الحمد كانت ثرية وممتعة، حيث غنيت قصائد للشعراء البحريني علوي الهاشمي، والسعودي أحمد الصالح "مسافر" وعبدالله الصيخان. وأتصور أنه في ظل الرؤية الجديدة، يمكن للقصيدة المغناة أن تستعيد وهجها مجددا وتؤكد حضورها. محروس الهاجري فنان
مشاركة :