الانتحاريون قتلوا سكانها والسوريون يدفعون الثمن..هذا ما حلّ باللاجئين في قرية القاع اللبنانية

  • 7/4/2016
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

احتشد المشيعون بالقاعةِ الواسعة خلف كنيسة مار إلياس حول خمسة توابيت بيضاء، كان البعض منهم ممُسكاً بزهور أو بصور القتلى، فيما كانت الفرقة الموسيقية تعزف النشيد الوطني، ويرفع أقارب الضحايا أسلحتهم، في ظل نحيب وتمايل مع الإيقاعات الجنائزية. وفي الخارج؛ كانت العربات المدرعة تتوغل في الشوارع، والجنود وضباط الشرطة ورجال الميليشيا على أسطح المنازل يحرسون التقاطعات، ساعين إلى منع المزيد من الكوارث في تلك البلدة الهادئة عادة ذات الأغلبية المسيحية الواقعة بشمال شرق لبنان قرب الحدود مع سوريا ، وفقاً لتقرير لصحيفة الأميركية. فقد شهد الإثنين 27 يونيو/حزيران 2016 ، موجتين من الهجمات الانتحارية ، تم في الأولى تنفيذ أربعة هجمات متزامنة تقريباً بالصباح، وأربعة آخرين تم شنّها بفترات متقاربة بالمساء- إذا قام مُنفذو الهجمات بتفجير أنفسهم مما أسفر عن مقتل خمسة رجال وإصابة العشرات. تعايش هش كانت تلك الهجمات جديدة ومثيرة للفزع لأنها امتدادٌ للحرب الأهلية في سوريا المجاورة، وقد كسرت التعايش الهش الذي نما بمنطقة القاع وخارجها بين السكان اللبنانيين واللاجئين السوريين الذين أتوا إلى مُدنهم باحثين عن ملاذ آمن من العنف في وطنهم. وبطرق عديدة؛ تعيد التساؤلات بشأن بلدة القاع أصداء نظيرتها التي أعقبت الهجمات بولاية فلوريدا وفي باريس وإسطنبول؛ فكيف بإمكان مجتمع حماية نفسه من مهاجم واحد أو فريق صغير من المهاجمين الحاملين أسلحة وقنابل؟ ويناضل القادة المحليون مع القضية نفسها التي تواجه أوروبا في تعاملها مع المهاجرين؛ فكيف يمكن الموازنة بين الرغبة في المساعدة والخوف من تهديد قد يتخفى بين الوافدين الجدد؟ "إنه ليس أمراً سهلاً على الناس أن يُفرقوا بين الإرهابيين واللاجئين عندما يموت أبناؤهم أو يرقدون في حالة حرجة في المشفى" هكذا يقول القس إليان نصرالله، كاهن الكنيسة الكاثوليكية الرومانية المُشرف على كنائس بلدة القاع، والذي قال في حديث أجراه مع صحيفة نيويورك تايمز بمنزله إنه قام بتنسيق مُساعدات للاجئين كما سيساعد في تشييع الجنازات إلى مُدن القتلى. وقد يدفع حجم أزمة اللاجئين بلبنان القادة الغربيين إلى تغيير سياستهم تجاه اللاجئين، فقد أضافت البلاد إلى تعدادها الذي يبلغ 4.5 مليون مواطن فحسب قرابة مليون ونصف سورياً، مما جعل من لبنان البلد الأكثر استقبالاً للاجئين بالنسبة لعدد سكانه. تعايش مع المسلمين وقد أُلقي الجزء الأكبر من ذلك العبء على عاتق مُدنِ مثل القاع وغيرها من مدن وبلدات وادي البقاع، حيث شجّعت الإيجارات المنخفضة، فضلاً عن القرب من سوريا وفرص العمل بالزراعة، العديد من السوريين على الإقامة بالمدن التي صارت أعدادهم فيها تفوق السكان المحليين، الأمر الذي يمثل ضغوطاً على خدمات المرافق بتلك المناطق. ويعني اسم مدينة "القاع" باللغة العربية "الجزء الأسفل"، وتقع البلدة بالركن الشمالي من الوادي، عند سفح تلال جرداء على بعد بضعة كيلومترات من الحدود السورية، وكان تعداد سُكانها الأصليين قد تقلص في العقود الأخيرة ليبلغ نحو 3000 مواطن. توجد القليل من فرص العمل المُتاحة للباقين، ويخدم الكثير من رجال البلدة بالجيش اللبناني، فيعودون إلى ديارهم بعد التقاعد مُتجهين لزراعة بساتين التفاح والزيتون، حيث بخلاف رواتب الجنود، فإن الحكومة المركزية تُقدم القليل. وقال إليان نادر، عضو مجلس المدينة، عندما سُئل عما تحصل عليه بلدة القاع من الدولة "أنا أحتاج للتفكير طويلاً كي أجد شيئاً". جميع سكان البلدة تقريباً من المسيحيين، يقفون بين الزهور الحمراء في الميدان المركزي الذي يتوسطه تمثال شاهق للقديس مار إلياس، أو القديس إيليا، حاملاً سيفاً طويلاً مُقوساً. ولكن العلاقة كذلك جيدة مع المُسلمين، فخلال اللقاء الذي أجرته الصحيفة مع القس نصر الله كان يقتبس كلمات رجل الدين الشيعي البارز موسى الصدر، وخلال تشييع الجنازة، تحدث رجل دين شيعي آخر مُرتدياً عمامته البيضاء من المنبر مُقتبساً آيات من القرآن ونصوصاً من الكتاب المقدس وممجداً القتلى بوصفهم "شهداء كل لبنان". 20 ألف سوري مقابل 3 آلاف مواطن وبحسب مسؤولين رسميين محليين، يستقر أكثر من 20 ألف سوري بالمنطقة المحيطة ببلدة القاع؛ حيث استأجر البعض شققاً فارغة أو مزارع وحصلوا على وظائف كعمال مياومين، بينما ساعد السكان المحليون ومسؤولو الكنيسة من هم أقل حظاً في تأمين حاجاتهم الأساسية. ومع ذلك فقد أثارت الأعداد الهائلة من السوريين توتر الكثيرين. فيقول نادر عضو المجلس المحلي "إننا رحبنا بهم وساعدناهم، مُعتقدين أنها أزمة قصيرة الأجل؛ ولكن بطول أمد الحرب ودمار المدن السورية، بدأ الكثيرون في القلق ألا يعود السوريون أبداً إلى وطنهم، أو أن يندلع التطرف المنتشر في سوريا في أنحاء لبنان". في صباح الإثنين الذي شهد التفجيرات، وبينما كان أب وابنه من إحدى العائلات المسلمة بالبلدة يتناولون وجبة السحور قبل الفجر استعداداً لصيام رمضان، شاهدوا شخصاً غريباً بحديقتهم، وعندما واجهوه؛ فجّر نفسه مما أسفر عن إصابة كل منهما. قصف جوي لقد كان الانفجار مدوياً، لدرجة أن بعض السكان اعتقدوا أنهم يتعرضون لقصف جوي، وما إن أسرع الجيران وسيارة الإسعاف إلى موقع الانفجار، حتى استهدفهم مُهاجم آخر قام بتفجير نفسه أيضاً، ثم مهاجم آخر أعقبه مهاجم جديد. بعد قليل كانت سيارة الإسعاف قد تحطمت، ولقى خمسة أشخاص مصرعهم، وكان آخرون في طريقهم إلى المُستشفى. وفي المساء؛ فيما كانت مجموعة من السكان المحليين خارج الكنيسة تستعد لتشييع القتلى الخمسة الذين لقوا مصرعهم في الصباح، شاهدوا غريباً يقترب. فأطلق عليه أحدهم عليه الرصاص وانفجر، ثم اندلعت هجمات لاحقة بالقرب من الكنيسة، ومكتب الأمن، وسيارة تابعة للجيش، مما أسفر عن إصابة العشرات. وأثارت تلك التفجيرات الحيرة الشديدة لدى سُكان المدينة، فلم يكن لهم أي دور في الأزمة السورية، كما أن تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" والفرع السوري لتنظيم القاعدة (جبهة النصرة) متواجدان على الحدود السورية، وعندما يشنات هجمات انتحارية تستهدف غالبا مناطق شيعية، لم يعلنا مسؤوليتهماً عن الهجمات. اطردوا اللاجئين وقد أشعلت تلك التفجيرات أيضاً الغضب الشديد في بلد يغرق باللاجئين؛ فخرج عدد من السياسيين على شاشات التلفزيون للمطالبة بإعادة السوريين إلى بلدهم أو احتجازهم بمعسكرات، كما تركّز الغضب في بلدة القاع أيضاً على السوريين. يقول نادر "الآن لن يقبل الناس أن يستمر الوضع هكذا، لقد رحّبت بك، وأنت ضربت اليد التي مددتها إليك". وسرعان ما تكبد الثمن بعض اللاجئين بمنطقة القاع؛ حيث قال لهم سكان بالبلدة أن لديهم 72 ساعة للرحيل، وبالفعل لم يظهر السوريون في الشوارع يوم الأربعاء 29 يونيو/حزيران 2016 التالي للانفجار الذي وقع الإثنين، وظلت مجموعة من الأكواخ التي كان يقطنها لاجئون على حافة المدينة خاوية، وكُسِرت أقفال أبوابها ليبقى الدجاج هُناك بين الغبار. أيقظت انفجارات الصباح أسرة جمعة، التي فرت من سوريا إلى لبنان قبل ثلاثة أعوام، ليستأجروا منزلاً بسيطاً بمزرعة مُكونٍ من غرفتين، عاشت فيه العائلة بصحبة أطفالها الأربعة، وبمجرد أن عرفوا بشأن الهجوم، توقّعوا الأسوأ. تقول الأم فريحة جمعة "ما إن سمعت أن الانفجارات حدثت هُنا حتى قلت: لقد انتهى الأمر". تنكيل وضرب للاجئين وبعد يوم؛ قام عدد من الرجال المحليين الذين يبحثون عن شخص مُشتبه به باعتقال مجموعة من السوريين بينهم زوجها، عبد المعطي، وسحبوا قمصان اللاجئين إلى رؤوسهم، وكبلوا أيديهم وضربوا رؤوسهم وصدورهم. يقول جمعة مُحركاً يده على أضلاعه "بالتأكيد هُناك كسر بالعظام". بالتزامن؛ كانت عائلة سورية بالجوار قد حزمت أمتعتها بالفعل، ولكن لا مكان لهم كي يذهبوا إليه، وليس لدى أي منهم إقامة شرعية بلبنان، مما يعني أنه قد يتم اعتقالهم إن حاولوا عبور نقاط التفتيش. مالك منزلهم، طوني مطر، قال إنه يفهم غضب رفاقه من سكان المدينة، وقد أُصيب ابنه بالهجمات وكان لايزال بالمستشفى آنذاك، مع ذلك؛ فقد قال إن الأمر قد يكون كارثياً إن انقلبوا على اللاجئين. وأضاف "هُناك من انتفع بالقرية وهُناك من آذاها، والمشكلة الآن هي أن الناس يتحدثون كما لو أن جميع السوريين مسؤولون". - هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The New York Times الأميركية. للاطلاع على المادة الاصلية، يرجى .

مشاركة :