تنشط الدبلوماسية الفرنسية مجددًا بشأن ملف الفراغ المؤسساتي على رأس الجمهورية اللبنانية، وتسعى لتعبيد الطريق أمام اختراق ما بمناسبة زيارة اليومين التي سيقوم بها وزير الخارجية جان مارك آيرولت إلى بيروت يومي 11 و12 الحالي. واستبقت رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية الموعد المذكور بسلسلة من الاتصالات عالية المستوى التي لا يبدو أنها قد أثمرت تقدمًا حتى الآن، مثل لقاء هولاند مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في باريس. كذلك طرح الموضوع خلال اللقاء الذي ضم في الخارجية الفرنسية آيرولت ونظيره الروسي سيرغي لافروف. وبموازاة ذلك، قامت الدبلوماسية الفرنسية بمجموعة إضافية من الاتصالات من أجل أن تحدد «هامش التحرك» الذي يمكن أن تنشط ضمنه باريس، وفق قول أحد مصادرها الدبلوماسية. وكانت المصادر عينها قد قالت لـ«الشرق الأوسط»، إن المرشح الرئاسي في لبنان النائب سليمان فرنجية قام بزيارة سريعة لباريس بداية الأسبوع الماضي لإجراء سلسلة مشاورات مع مسؤولين فرنسيين وغير فرنسيين، دارت بكليتها على الملف الرئاسي، وإمكانية الخروج من الطريق المسدود الذي وصلت إليه منذ أكثر من عامين. وبدا بوضوح أن زيارة فرنجية المستعجلة التي بقيت بعيدًا عن أعين الإعلام، كان غرضها «الاطلاع» من الفرنسيين ومن غيرهم على ما آلت إليه آخر الاتصالات الدولية بشأن الملف الرئاسي. الواضح أن الوزير آيرولت راغب في أن يحقق «إنجازا ما» في الملف الرئاسي اللبناني. فالزيارة التي يقوم بها بناء على طلب من الرئيس هولاند الذي ذهب إلى بيروت أواسط أبريل (نيسان) الماضي تنطلق من اعتبار أساسي هو أن «الترف اللبناني» القائم والمتمثل في ترك الفراغ مستحكمًا على رأس الجمهورية «لم يعد مقبولاً بسبب تكاثر التهديدات، وعلى رأسها التهديد الإرهابي الذي يخيم على لبنان، كما برز ذلك مع العمليات الانتحارية «الجماعية» في قرية القاع على الحدود اللبنانية السورية الشرقية، والعمليات التي أبطلت بفضل يقظة الأجهزة الأمنية اللبنانية. كذلك تعتبر باريس أنه «حان الوقت» ليفتح اللبنانيون أعينهم ويروا ما يجري حولهم «قبل أن تصل النار أكثر فأكثر» إلى بلادهم، والاستفادة من فرصة «لبننة» الاستحقاق الرئاسي وعدم انتظار الحلول من الخارج. وقالت مصادر دبلوماسية فرنسية لـ«الشرق الأوسط»، إن الوزير الفرنسي تحدث بصراحة متناهية لنظيره الإيراني خلال اجتماعهما يوم 22 يونيو (حزيران)، وتوجه إليه قائلاً: «نريد منكم أن تلعبوا دورا إيجابيا في لبنان» عن طريق تسهيل انتخاب رئيس للجمهورية. وأضاف آيرولت: «نحن نعي قدرة إيران على التأثير وتسهيل العملية الانتخابية إذا رغبت في ذلك». بيد أن الوزير الإيراني لم يذهب بعيدًا في الاستجابة وكرر موقف طهران القائل إن الأمر بيد اللبنانيين وخصوصًا المسيحيين الذين عليهم الاتفاق أولا على رئيس». وبكلام آخر وبحسب المصادر الفرنسية، فإن ظريف «لم يعط باريس شيئا» في الملف اللبناني، كما لم يقدم شيئًا في الملف السوري. من جانب آخر، أشار الجبير في لقائه مع الوزير آيرولت يوم الأربعاء الماضي إلى أن المملكة السعودية لم ترَ مانعًا في ترشيح رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق سعد الحريري للنائب سليمان فرنجية لمنصب الرئاسة، رغم أن فرنجية ينتمي إلى تجمع 8 آذار «لكن إيران لم ترد التحية بمثلها، لا.. بل إنها، عبر (حزب الله)، أجهضت العملية لأنها تريد الفراغ السياسي في لبنان وهيمنة الحزب المذكور على مفاصل الدولة». بيد أن موقف طهران «غير المستعجل» في مد يد المساعدة لنزع العقبات من درب إنجاز العملية الانتخابية في بيروت رغم قدرتها على التأثير، إن مباشرة عبر «حزب الله» الذي قال أمينه العام علنًا إنه يتلقى التمويل والسلاح من طهران، أو عبر الطرف السوري، لا يحط من عزم الوزير الفرنسي على دفعها للانخراط في «مبادرة مشتركة» لإيجاد مخرج للأزمة اللبنانية. واقترح آيرولت أن «يطلع» نظيره ظريف على ما يكون قد توفر له من خلال لقاءاته في بيروت عقب عودته منها والبحث معًا في «مبادرة ما» لإنقاذ لبنان ومنعه من الانزلاق أكثر فأكثر إلى الهاوية. وتعمد دوائر وزارة الخارجية إلى التحضير لزيارة آيرولت إلى بيروت التي سيمضي فيها يومين. ومن المنتظر أن يلتقي خلالها الوزير الفرنسي السلطات الرسمية (وزير الخارجية ورئيس مجلس النواب ومجلس الوزراء) والشخصيات السياسية والدينية الفاعلة، إضافة إلى ممثلين عن المجتمع المدني. وينشط السفير الفرنسي في بيروت أيمانويل بون في التحضير للزيارة عن طريق سلسلة من اللقاءات التي يداوم على إجرائها. لكن مصادر دبلوماسية عربية في باريس لا تتوقع حصول اختراق ما لثلاثة أسباب رئيسية؛ أولها: الارتباط الوثيق بين الأزمة اللبنانية وأزمات المنطقة، وخصوصًا الحرب في سوريا، وبالتالي صعوبة السير بحلول للأولى من غير معرفة الطريق التي ستسلكه التالية. والسبب الثاني تفضيل الأطراف أن يكون التعاطي مع الجهات الدولية المؤثرة حقيقة في الوضع السياسي وليست فرنسا بينها، رغم علاقتها «الخاصة» بلبنان ورغبتها الواضحة في تسخير دبلوماسيتها وعلاقتها الجيدة مع السعودية والتطبيعية مع إيران. أما السبب الثالث فهو لبناني - لبناني وتعقيدات المشهد السياسي ورهانات الأطراف المتصارعة إقليميًا ودوليًا ما يعني أن مستقبل الفراغ المؤسساتي «زاهر» لفترة لن تكون قصيرة. وبأي حال، فإن باريس التي تقول إنه «ليس لها مرشح في لبنان»، كما أنه «ليس لها أي (فيتو) على أحد»، تدعو لحل «توافقي»، معتبرة أن دورها يقوم على «تسهيل» اتفاق اللبنانيين في الداخل و«مساعدة» أطراف الخارج على تحييد لبنان عن نزاعاتهم. لكن هذا الكلام الفرنسي ليس جديدًا وثبت حتى الآن أنه من غير ذي أثر على من يعنيهم الأمر.
مشاركة :