قبل فترة وجيزة من الاتفاق النووي الذي أبرمته القوى العالمية مع إيران العام الماضي، أوفدت خمس جامعات أمريكية بعثة إلى إيران لاستكشاف فرص تجديد العلاقات التعليمية التي كانت مزدهرة قبل قيام الثورة الإسلامية. ووجدت المجموعة التي ضمت ممثلين من جامعتي روتجرز وجنوب كاليفورنيا رغبة لدى الجانبين لزيادة التبادلات وتوصلت إلى أن الطلبة والباحثين الأمريكيين سيلقون ترحاباً في إيران. لكن طرأ ما لم يكن في الحسبان إذ أن رئيس الوفد ألان جودمان كان محللاً سابقاً بالمخابرات الأمريكية، وفي مارس الماضي تعرض جودمان لهجوم في تقارير وسائل الإعلام الإيرانية التي صورت زيارة الوفد في يونيو 2015 على أنها محاولة أمريكية لإقامة شبكة تجسس وهدم الدولة الإيرانية. ويقول المسؤولون الأمريكيون ومعهد التعليم الدولي الذي يعمل به جودمان إن الحقيقة غير ذلك وإنه لا دور للحكومة الأمريكية في الزيارة. ومع ذلك فقد قال مسؤولان أمريكيان إن تلك التقارير الصحفية السلبية كانت سبباً في فتور الجهود الرامية إلى استعادة العلاقات التعليمية في أعقاب الاتفاق النووي التاريخي، وقال المسؤولان إن الحكومة الأمريكية تحذر الجامعات الأمريكية الآن من التسرع في هذه الترتيبات وإن الجامعات نفسها تخطو خطواتها بحرص. وقال مسؤول طلب عدم نشر اسمه «رأى الناس رد الفعل وقرروا التمهل». ولم يرد جودمان الذي سجل صلته السابقة بالمخابرات في سيرته الذاتية على الإنترنت على طلبات متكررة لإجراء مقابلة معه. وفي فترة سابقة، من حياته العملية كان جودمان يتولى تنسيق تقرير المخابرات اليومي الذي كان يعرض على الرئيس جيمي كارتر في عامي 1979 و1980 وهي الفترة التي أطاحت فيها الثورة الإسلامية بحكم الشاه واحتجز فيها عشرات من الدبلوماسيين رهائن في طهران. وامتنعت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي.آي.آيه) عن التعليق على صلة جودمان السابقة بالمخابرات وقالت إنها لا تناقش المسائل الشخصية، كما امتنعت وزارتا الخارجية الأمريكية والإيرانية عن التعليق. وتسلط تلك الأحداث الضوء على الصراع السياسي بين الإيرانيين الذين يريدون العمل مع الولايات المتحدة والمتشددين الذين يثيرون اتهامات التجسس في كثير من الأحيان ويخشون أن يضعف الانفتاح حكمهم. ويقول المسؤولون الأمريكيون إنها تبرز أيضاً مدى صعوبة إقامة علاقات لا يبدو فيها شيء من الضرر في ضوء الارتياب الإيراني من أي دور أجنبي في شؤونها. ويرجع ذلك الارتياب إلى الاستغلال البريطاني لنفطها والانقلاب الذي كانت الولايات المتحدة راعيته للإطاحة برئيس الوزراء محمد مصدق عام 1953 وما تلاه من حكم الشاه محمد رضا بهلوي وما انطوى عليه من قسوة. وقال المسؤول الأمريكي إنه توقع أن يتم في الفترة السابقة توقيع مذكرة تفاهم واحدة على الأقل بين جامعة أمريكية وجامعة إيرانية، وقال مسؤول إيراني رفيع إنه يبدو أن وزارة الخارجية «علقت الموضوع». وتتمثل مهمة معهد التعليم الدولي في تعزيز التبادلات التعليمية وتيسير فرص التعليم في مختلف أنحاء العالم، ويتولى المعهد إدارة برنامج فولبرايت الذي يتم بمقتضاه إيفاد طلبة وباحثين أمريكيين إلى الخارج واستقدام الطلبة والباحثين الأجانب إلى الولايات المتحدة. «الإطاحة بالمؤسسة الإيرانية» في مارس، وصفت نشرة مشرق الإخبارية التي تصدر على الإنترنت باللغة الفارسية وتربطها صلات وثيقة بالحرس الثوري الإسلامي زيارة الوفد بأنه طريق تنشئ واشنطن من خلاله شبكة من الطلبة للتجسس لحساب الولايات المتحدة بعد العودة إلى إيران. كما قالت إن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف دعا المجموعة التي ضمت ممثلين لجامعات بول وبيتزر كوليدج ووين. وقال مسؤول إيراني رفيع ثان إن ظريف «دعا المجموعة»، وامتنعت وزارة الخارجية الإيرانية عن التعقيب على ذلك. وكان ظريف الذي حصل على درجة الدكتوراه من جامعة دنفر وعمل سفيراً لإيران لدى الأمم المتحدة هو المفاوض الإيراني الرئيسي في الصفقة النووية التي وافقت إيران بمقتضاها على الحد من برنامجها النووي مقابل تخفيف عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة المفروضة عليها. وقد دأب المتشددون على انتقاده خلال سير المحادثات النووية وبعدها واتهموه بتجاوز «الخطوط الحمراء» التي رسمتها إيران فيما يتعلق بالاتفاق النووي. وقالت نشرة مشرق «يبدو أن الحكومة... من خلال ترحيبها بزيارة الوفد الأمريكي رحبت أيضاً بخطط الحكومة الأمريكية للإطاحة بالمؤسسة الإيرانية». وقالت شارون ويذريل المتحدثة باسم معهد التعليم الدولي إن وزارة البحث العلمي والتكنولوجيا الإيرانية هي التي دعت الوفد الأمريكي. وقالت المتحدثة في بيان بالبريد الإلكتروني «لم تكن الزيارة جزءاً من أي برنامج حكومي أمريكي ولم تمولها الحكومة»، وأضافت أن المجموعة لا تعتبر ما وجه من انتقادات إلى جودمان انتكاسة لجهودها. وتابعت «ثمة اهتمام من الجانبين بإقامة علاقات أكاديمية ذات فوائد متبادلة من جديد». وفي رأي مسؤولين أمريكيين سابقين وحاليين أن هذه الانتقادات محاولة ليس لها ما يبررها لتشويه صورة جودمان الذي كرس العشرين عاماً الأخيرة تقريباً لبرامج تبادل الطلبة والباحثين وأنه على أي حال لم يكن ضابطا بالمخابرات بل كان محللاً. وقال المسؤولون الأمريكيون السابقون إن جودمان كان في وكالة المخابرات المركزية في وقت لم تحدث فيه انتقالات تذكر للمحللين إلى العمليات المخابراتية. وقال المحلل ستيفن آفترجود من اتحاد العلماء الأمريكيين إنه في ضوء صلات جودمان السابقة بالمخابرات المركزية فإنه «سيصبح غير مؤهل فعلياً لعمليات المخابرات الحالية» لأنه سيعجز عن إخفاء شخصيته أو إيجاد الذريعة اللازمة. وأضاف آفترجود الخبير في السرية والأمن الوطني إن «إطلاق أجراس الإنذار فيما يتعلق بالتجسس وسيلة ملائمة للخصوم الإيرانيين للتقارب الأمريكي الإيراني من أجل إخراج كل الاتصالات مع الأمريكيين عن مسارها وإضعافها». وتتمثل العلاقات التعليمية بين الولايات المتحدة وإيران إلى حد كبير في سفر طلبة إيرانيين على نفقتهم الخاصة فيما يمثل مصدراً مستقراً للدخل للجامعات الأمريكية. وفي ذروة هذه العلاقات في السنة الدراسية 1979-1980 بلغ عدد الطلبة الإيرانيين الدارسين في الولايات المتحدة 51310 طلاب وفقاً لما ورد في تقرير لمعهد التعليم الدولي، ثم انخفض العدد انخفاضاً شديداً لكنه عاود الارتفاع باطراد في السنوات التسع الأخيرة ليصل إلى 10194 طالباً في السنة 2013-2014. وقال المسؤولون الأمريكيون إن الولايات المتحدة التي تشدد على مخاطر اعتقال المواطنين الأمريكيين أو احتجازهم في إيران ليس لديها بيانات يعول عليها عن الطلبة الأمريكيين الذين يدرسون في إيران. وامتنعت جامعات بول وبيتزر ووين عن التعقيب على مشاركتها في الوفد الذي زار إيران لكن المسؤولين في جامعتي روتجرز وجنوب كاليفورنيا قالوا إنهم مازالوا مهتمين بالتواصل مع إيران. وقال أنتوني بيلي نائب رئيس جامعة جنوب كاليفورنيا والذي شارك في زيارة إيران إن جامعته ستخطو خطواتها بحذر شديد وتأمل أن تتحسن العلاقات بما يسمح بتعميقها. وقال أيضاً إن جامعة جنوب كاليفورنيا ستستضيف أستاذ العلاقات الدولية الإيراني محمود سريع القلم من جامعة شهيد بهشتي خلال العام الجاري.
مشاركة :