أجهزة مزيفة للكشف عن المتفجرات تسببت بمقتل آلاف العراقيين

  • 7/6/2016
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

تقف طوابير السيارات في بغداد لأوقات طويلة عند مئات من نقاط التفتيش المنتشرة داخل العاصمة العراقية، في ظروف جوية ساخنة، في انتظار أن يفحصها رجل أمن بجهاز أسود صغير ينتهي بهوائي شبيه بهوائي أجهزة الترانزستور، ويفترض أن يكشف عن المتفجرات. وعادة ما يشعر رجال الأمن بالحرج من مواطنيهم وهم يمارسون هذه الحركة وسط نظرات سخرية مكتومة من قبل العراقيين الذين يعرفون، كما يعرف ضباط الأمن، أن هذه الأجهزة مزيفة ولا تكشف عن المتفجرات، بل تتسبب فقط بتأخيرهم وعرقلة المرور. وسيكون ضباط وعناصر نقاط التفتيش داخل بغداد وخارجها والمواطنون المستفيد الأول من تطبيق قرار رئيس الوزراء حيدر العبادي بعد تفجيرات الكرادة، فجر الأحد، بسحب هذه الأجهزة. وطلب العبادي أيضًا من وزارة الداخلية إعادة فتح التحقيق في صفقات الفساد التي اشتريت بموجبها الأجهزة، وملاحقة جميع الجهات التي ساهمت فيها. كانت المحكمة العليا البريطانية قد حكمت عام 2013 بالسجن 10 سنوات على جيمس ماكورميك رجل الأعمال البريطاني لبيعه هذه الأجهزة المزيفة إلى العراق ودول أخرى وتعريض حياة الأبرياء للخطر مقابل تحقيق أرباح بقيمة 40 مليون دولار. الجهاز اسمه «آي دي آي 651»، وهو من تصنيع الشركة البريطانية «آي تي إس سي) التي تدعي أنه يستطيع أن يكشف المتفجرات عن بعد، من دون أن تكون له بطارية أو أي مصدر آخر للطاقة. وتتم عملية الكشف المزعوم عن المتفجرات بتمرير الجهاز بالقرب من السيارة المراد فحصها، فإذا أشار الهوائي بحركة إلى اليمين أو إلى اليسار، فهذا يعني أن هناك متفجرات في السيارة. وقال ملازم الشرطة إسماعيل حسن الذي كان يقف في إحدى نقاط تفتيش منطقة بغداد الجديدة لـ«الشرق الأوسط»: «منذ أن تسلمنا هذه الأجهزة لم تكشف لنا عن أية متفجرات، بل قمنا بتمرير سيارات تابعة لنا تحمل متفجرات، ولم يكشفها الجهاز، وقد كتبنا عدة تقارير لوزارة الداخلية التي ترغمنا على استخدام الجهاز، وتصر على أهمية استخدامه»، مشيرا إلى أن «المواطنين يعرفون أن هذه الأجهزة فاشلة، ويسخرون منا بصمت، مما يشعرنا بالإحراج». ويضيف الضابط قائلا: «هناك أشخاص متورطون بصفقة أجهزة كشف المتفجرات المزيفة، ويريدون تبرير وجودها، لهذا يصرون على أن نستخدمها وتعريض حياة الناس لمخاطر التفجيرات». كانت وزارة الداخلية في حكومة نوري المالكي الأولى قد عقدت صفقة شراء أجهزة كشف المتفجرات بعد تصاعد حدة الهجمات من قبل تنظيم القاعدة وجهات إرهابية أخرى وتصاعد موجة القتل الطائفي، وجاء هذا الجهاز بمثابة الإنقاذ للحكومة لوقف التفجيرات حيث أبرمت صفة الشراء في سبتمبر (أيلول) 2006، في عملية وصفت باعتبارها من أكبر صفقات الفساد في الحكومة وقتذاك، وكان عرابها اللواء جهاد الجابري الذي تم تحميله كامل المسؤولية عن هذه الصفقة، وقد حكم عليه القضاء العراقي لمرتين بالسجن لمدة أربع سنوات، بينما تمت تبرئة صاحب مصرف عراقي ووزراء ومسؤولين كبار في الحكومة آنذاك. ورغم أن الأجهزة الفنية في وزارة الداخلية أكدت أن الجهاز لا يعمل، فإن وزير الداخلية آنذاك جواد البولاني أصر على أن جهاز كشف المتفجرات يستطيع أن يكشف مشتقات النترات ونترات الأمونيا والديناميت، كما أصر المالكي على أن الجهاز يعمل كي يبعد شبهات الفساد عن حكومته، وأمر باستخدامه. ويقول المقدم هاشم العاني: «لقد بذلنا جهودا كبيرة لإيقاف استخدام هذا الجهاز المزيف، واعتمدنا تجارب عملية للتأكيد على أنه جهاز كاذب، كما اعتمدنا على تقارير بريطانية رسمية أكدت عدم صلاحية الجهاز ومنعت توريده للعراق، إلا أن رؤوس الفساد انتصرت علينا، وأبقت على الجهاز في الشارع متسببا بقتل عشرات الآلاف من العراقيين الأبرياء». ويضيف العاني قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «إن هذا الجهاز يستخدم للبحث عن كرات الغولف، واشتراه ماكورميك بـ20 دولارا، ثم باعه إلى العراق بسعر 7 آلاف دولار للقطعة الواحدة بعد أن قام بتغليفها على أنها أجهزة للكشف عن المتفجرات»، مشيرا إلى أن «122 مليون دولار من قيمة الصفقة ذهبت كرشى لـ15 مسؤولا عراقيا، حسب ما كشف المفتش العام لوزارة الداخلية آنذاك». وقال العاني: «إذا أحال العبادي ملف أجهزة الكشف عن المتفجرات إلى التحقيق، فهذا يعني أن رؤوسا كبيرة متورطة في صفقة الفساد هذه ستسقط، بينهم مسؤولون كبار وصاحب مصرف عراقي مول صفقة الشراء مقابل عمولات ضخمة»، مستطردا «بل إن خطوة العبادي بمنع استخدام هذه الأجهزة تعد أقوى مواجهة بينه وبين سلفه المالكي وتحديا له». وحتى أول من أمس، كانت نقاط التفتيش في جانب الكرخ من بغداد لا تزال تستخدم أجهزة الكشف عن المتفجرات المزيفة، وقال أحد عناصر الأمن: «نحن سمعنا بأوامر العبادي، لكنها لم تصلنا رسميا حتى الآن».

مشاركة :