درج اعضاء العصابات والمجرمون على إخفاء هوياتهم وإحاطة انفسهم بهالة من السرية. وبدا ان التزام السرية في محله لا يجافي المنطق في اوساط الخارجين على القانون والمجرمين. ولكن مد وسائل التواصل الاجتماعي بلغ الاوساط هذه، فانتقلت اليها عدوى مشاركة تفاصيل الحيوات الشخصية مع الغرباء. ويرى رجال الشرطة ان العدوى هذه هي في مثابة بركة أو نعمة هبطت عليهم. إذ يغتبطون وهم يجلسون من غير ان يحركوا ساكناً في انتظار عرض المجرمين «فتوحاتهم» على شاشة الشبكة وتوريط انفسهم ونشر الأدلة التي تدينهم. وتقصت المجلة الفصلية الأميركية «يو أس جورنل جاستيس كوارترلي» المختصة بشؤون العدالة، مكانة وسائط التواصل الاجتماعي في اوساط العصابات. وأعلن اكثر من نصف اعضاء العصابات في الإحصاء انها أنشأت صفحات خاصة بها على الشبكة تبث عليها اشرطة تسجيلية تروج لعلاقاتها العامة وتوجه رسائل تهديد الى العصابات الاخرى، او تسجل الشريط في عرين العصابة المنافسة أو تستعرض شراسة اعضائها وعنفهم في صور تظهرهم وهم يُشهرون مسدساً او غنيمتهم... وجمعت الدراسة عدداً من الاشرطة المنشورة على «يوتيوب». ولم تنجُ من العدوى هذه مجموعات المخدرات الدولية ولا صغار اللصوص المسلحين. والى وقت قريب، راجت صفحة مجموعة «نايتس تامبلر كارتيل»، وهي شركة مخدرات مكسيكية، على «فايسبوك» وذاع صيتها في الشبكة. وكانت تنشر صوراً شخصية لأعضائها وهم يحملون اسلحتهم. وفي تشرين الاول (اكتوبر) الماضي، قبضت الشرطة على لصوص في منطقة كانت (جنوب شرقي بريطانيا) إثر نشرهم صورهم الخاصة في مجموعة اسمها «اللصوص المسلحون» على «مسنجر» (مرسال) «بلاكبيري». وفي إحدى الصور ظهر رجل يستر وجهه بقناع اسود وهو يحمل مسدساً في عملية اقتحام، وظهر في أخرى سافر الوجه وهو يرتدي سروالاً ملوناً. ونشر ميشال غراسو، وهو فار من العدالة الايطالية، صوراً له في متحف مدام توسو في لندن وصور المطعم حيث يعمل. وفي الولايات المتحدة، نقلت عصابتان متنافستان- «ذ فيري كريسبي غانغسترس» و«ذي روكستارز» - خلافاتهما الى الشبكة. فأنشأت الواحدة منهما مجموعات «فايسبوكية» التحق بها اعضاء العصابة المنافسة لإمطارها بالشتائم «الجدارية» والتهديدات. ومع احتدام المبارزات «الفايسبوكية»، بدأت كل عصابة تتباهى بجرائم ارتكبتها وهجمات انتقام بادرت اليها. وإثر قتلها احد عناصر العصابة الاولى، نشر اعضاء «روكستارز» تعليقات تحاكي نتائج مباريات كرة القدم على غرار «3-0». والصفحات هذه عامة ومشرّعة للزائرين من غير تخصيص او حصر بالأصدقاء او دائرة العصابة الواحدة. فالخصوم مدعوون الى زيارتها وهي منبر التباهي والشهرة. ورغبة المجرمين في استعراض «مواهبهم» تفوق رغبة غيرهم من مستخدمي الانترنت. وانتخبت الشرطة البريطانية «سكوتلند يارد» تسجيلات يوتيوب مصدراً رئيساً لرصد شبكات العصابات وأنشطتها وجمع الادلة. واعتقلت مجموعة كبيرة من اللصوص انساقوا وراء نرجسيتهم وعرضوا صورهم من غير إخفاء وجوههم وطمس آثارهم. ونفذت دائرة شرطة ستراثكلايد عملية إلكترونية في 2009 للكشف عن جرائم وتحديد هويات المسلحين. والانترنت هو مسرح الجريمة المعاصر. ووسائل التواصل الاجتماعي حافلة بمعلومات ترصدها الشرطة في تحقيقاتها عن اعمال ارهابية وإجرامية. وإلمام الشرطة بأصول رصد هذه المعلومات وجمعها وتحليلها واستخدامها هو من ابرز مهارات الشرطة البريطانية الجديدة. وهذه تستند في جمعها الأدلة الالكترونية ومراقبة وسائل التواصل الاجتماعي الى قانون «ريغوليشن اوف انفيستيغايتوري باورز آكت». ومرّ اكثر من عقد على إقراره، وبرزت الحاجة الى تعديله إثر ظهور وسائل التواصل الاجتماعي. والقانون هذا يوازن بين الامن والحرية الفردية. وغالباً ما يتناوله النقاش من باب تهديده الحريات العامة. لكن مراقبة الانترنت تساهم في حماية المواطنين. والرقابة لا يسعها الانعتاق من قيد القانون. ومنذ إفشاء إدوار سنودن معلومات عن رقابة السلطات على الانترنت، تشغل الرقابة الرأي العام الغربي. * مدير مركز تحليل وسائل الاتصال الاجتماعي في «ديموس»، مختص في ثقافة الأونلاين، عن مدوّنة «تيليغراف» البريطانية، 6/1/2014، إعداد منال نحاس
مشاركة :