منذ بدء عرض الأعمال الدرامية الرمضانية، لاحظنا أن الاقتباس ساد معظمها، حتى الإعلانات والأغاني لم تخل منهه، واللافت أن الجميع تجاهل ذكر المصدر الرئيس أو المُبدع الحقيقي صاحب العمل الأصلي، وكأن ثمة اتفاقاً ضمنياً على ذلك. فهل الاقتباس والتمصير إفلاس واستسهال، أم ضمان لتقديم عمل له قيمة فنية تجارية مضمونة النجاح؟ يؤكد المخرج محمد فاضل أن ثمة فقراً في الإبداع وغياباً للمواهب في الكتابة، مع ظهور ما يسمى بورش الكتابة التي لا يخرج منها إبداع، لأن كلاً من المشاركين فيها له أسلوبه في الكتابة ورؤيته، وفي النهاية يخرج عمل درامي فقير أو متوسط المستوى كما هي الحال في أغلب الأعمال الدرامية الآن، ومن هنا كان الاقتباس المخرج الوحيد لهم. يضيف: “يرتبط ارتفاع مستوى الأعمال الدرامية بعلاقة الدراما بالأدب، باعتبار أن الأدب والرواية هما أساس الدراما، بدليل أن أنجح الأعمال هذا الموسم هي المُقتبسة من أعمال أدبية، وأنا مع هذا الاقتباس”. يتابع أن تمصير الأعمال الأجنبية ونقل النموذج الأميركي إلى الدراما أمر سيئ، كما حدث في “القيصر” و”الخروج” و”جراند أوتيل”، فهي تُحقق النجاح بسبب جمال الصورة أو حرفية المخرج، لكن ليس فيها دراما أو أحداث تجذب الجمهور. إفلاس وفقر يرى الناقد نادر عدلي أن عدم الخوض في موضوعات ذات بُعد اجتماعي وسياسي قد تعترض عليها الرقابة ويرفضها المنتجون، دفع البعض إلى الاقتباس من أعمال أدبية عالمية، على غرار “ونوس” و”أفراح القبة” أو من أعمال درامية مثل “جراند أوتيل” و”هبة رجل الغراب”، فهي عبارة عن مشاهد مقتبسة من أفلام أجنبية كما في “القيصر” و”الخروج” من دون وجود رابط درامي بينها. يضيف: “ما حدث نوع من الإفلاس وفقر الخيال، ويُفسر عدم وجود مواهب حقيقية على غرار أنور عكاشة أو جلال عبد القوي، ثمة أسماء لامعة تُقدم أعمالا تجارية وتحصل على أجر لم يحصل عليه أسامة أنور عكاشة، وهي موجودة لكن من دون تأثير ومطلوب منها تقديم أعمال كل موسم، وبالتالي يكمن الحل في الاقتباس والنقل لإنجاز المهمة المطلوبة. يوضح الناقد طارق الشناوي أن {الاقتباس، في حد ذاته، ليس عيباً ومتعارف عليه في دول العالم، وما زالت أعمال شكسبير تُقتبس حتى الآن، «لكن الأزمة في تجاهل ذكر العمل الأساسي الذي تم الاقتباس منه، كما فعل عبد الرحيم كمال في «ونوس»، إذ كتب عبارة «قصة وسيناريو وحوار» من دون ذكر أنها مُقتبسة من «فاوست»، مع أنه ذكر في مسلسله السابق «دهشة» أن القصة مقتبسة من رواية {الملك لير}، أيضاً كتب تامر حبيب في «جراند أوتيل» رؤية وسيناريو مع عدم ذكر العمل الأساسي الذي اقتبس منه ويحمل الاسم نفسه». يتابع: «تقتبس الإعلانات عادة لحناً مشهوراً قريباً من أذن الجمهور لسهولة انتشاره للترويج للسلعة، ويتم ذلك بالاتفاق مع أصحاب العمل الأساسي أو ورثتهم، وللأسف لا حماية لأي أغنية مهما كانت قيمتها التاريخية إذا وافق الورثة على استغلالها». حد أدنى من النجاح يوضح الناقد وليد سيف أن الإبداع موجود وثمة كُتاب على مستوى عال، لكن الاقتباس والنقل أمر متعارف عليه ويتكرر، وما جعله واضحا هو عرض الأعمال في هذا التوقيت، فظهر الاقتباس والنقل جيدا. يضيف أن قيمة العمل ونجاحه ورسم شخصياته لا سيما النجم فيه، كلها أمور تُغري الكاتب لاقتباس أو تمصير أي عمل درامي، إذ يكون ثمة حد أدنى من النجاح مضموناً اعتمادا على العمل الأساسي وتاريخه ونجاحاته السابقة. يتابع: “ثمة فرق بين اقتباس عمل أدبي كما في “ونوس” و”أفراح القبة” واقتباس أو ترجمة مسلسل كما في “جراند أوتيل” و”القيصر”، لا بد من أن يكون لاقتباس عمل أدبي هدف ورؤية وليس مجرد نقل عمل وتقديمه، وهو ما ظهر واضحاً في “أفراح القبة”، إذ قدم محمد يس ملحمة فنية عالية وظهرت رؤيته وبصمته نتيجة فهمه للرواية، عكس “ونوس” الذي تم نقله من دون حرفية وظهرت الشخصيات أحادية وفقيرة فنيا، حتى الشيطان كان فقيراً فنياً ولا تأثير مباشراً له على الشخصيات، ما يعكس عدم فهم الكاتب للعمل الأدبي”.. يشير إلى ان ثمة أعمالاً تم نقلها من أعمال أخرى بهدف تحقيق صورة مختلفة وإيقاع جاذب للجمهور، رغم فقر الدراما مثل “القيصر” و”الخروج”، لكن الجميع تجاهل ذكر المصدر الذي تم الاقتباس منه، ما يعني سوء نية واضحة لأن من لا يعرف “فاوست” سيعتقد أن عبد الرحيم كمال صاحب الفكرة وهو أمر غير صحيح، وهكذا في الأعمال الأخرى، خصوصاً أن التكنولوجيا الحديثة والجيل الجديد لا ينفع معهما إنكار الحقائق بدليل انتشار الأغاني والإعلانات الأصلية التي نقلت فكرتها في إعلانات وأغان بعد دقائق من إذاعة الإعلان والأغنية. تأثر بالأكشن تعتبر الناقدة ماجدة موريس أن نقل أو اقتباس الأعمال لا يعنيها بقدر ما يعنيها أن تكون على مستوى متميز في المحتوى والصورة، وهو ما تحقق في “أفراح القبة”، و”ونوس”. تضيف أن السنيما الأميركية متفوقة في الأكشن والإثارة ومن الطبيعي أن يتأثر مخرجو الأكشن في مصر بها، وأكثر من عمل في الدراما هذا العام، متأثر بالسينما الأميركية ونقل مشاهد منها. تتابع: “لكن يجب الحكم على العمل ككل وجودته وليس من خلال مشهد أو أكثر تم نقلها وتوظيفها بشكل جيد في سياق درامي مميز، لافتة إلى أن “ثمة فقراً في الإبداع وعدم تنوع في القضايا والموضوعات، وهو ما جعلنا نرى حالة النقل والتمصير بشكل واضح”.
مشاركة :