يبدو أن انشغال وسائل الإعلام البريطانية خلال اليومين الماضيين بنتائج التحقيق في ظروف اتخاذ قرار الحرب على العراق عام 2003 وإدانة رئيس الوزراء السابق توني بلير بجر بريطانيا والولايات المتحدة إلى الحرب لم يكن سوى فقاعة ماء انطفأت بسرعة، إذ أن الشارع البريطاني مشغول بقضية أكبر هذه الأيام وهو اختيار خليفة جديد أو جديدة لرئيس الوزراء الحالي ديفيد كاميرون، الذي استقال من منصبه في 24 يونيو الماضي بعد فشله في إقناع البريطانيين بالتصويت لصالح بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، حيث يبدو أن المنافسة الحامية على خلافة كاميرون قد حسمت لصالح وزيرة الداخلية تيريزا ماي التي فازت في جولة التصفيات الأولى للمرشحين داخل حزب المحافظين بنسبة تزيد على 50 في المئة، ما يعني بأن الجولة الثانية من التصفيات ستأتي لصالحها وستحصل على نسبة تأييد أكبر. ومع أن جيرمي كوربن، زعيم حزب «العمال»، قدم اعتذاره علنا، أول من أمسن للشعب البريطاني عن الخطأ الذي ارتكبته حكومة حزب العمال برئاسة بلير بجر بريطانيا إلى الحرب على العراق، إلا أن إدانة بلير بهذه الخطيئة جاءت لصالح حزب «المحافظين» في نهاية المطاف وستستفيد منها تيريزا ماي في المستقبل. ووفقاً للنظام الداخلي لحزب «المحافظين» سيتم تتويج الرئيس الجديد للحزب الذي سيتولى رئاسة الوزراء في المؤتمر السنوي للحزب المقرر عقده في الفترة من 2 إلى 5 أكتوبر المقبل، حيث سيجري وداع كاميرون وتتويج ماي رئيسة جديدة للحزب وللحكومة. وبذلك تصبح ماي ثاني امرأة تتولى رئاسة الوزراء في بريطانيا بعد مارغريت ثاتشر الزعيمة التاريخية للمحافظين التي لقبت «بالمرأة الحديدية»، ومع أنها على العكس من تاتشر وتوصف بأنها ليست «حديدية» مثلها، إلا أن المحافظين يأملون بالاحتفاظ بالسلطة لفترة طويلة في ظل تيريزا ماي. وكانت ثاتشر تربعت على رئاسة الحزب والحكومة نحو 12 عاماً ومهدت لمواصلة المحافظين سيطرتهم على مقاليد الحكم لست سنوات إضافية حتى مايو العام 1997 بقيادة خليفتها جون ميجور. وواجهت ماي منافسة قوية داخل حزب «المحافظين»، خصوصا وأنها نجحت خلال الأشهر الأخيرة في الوقوف على الحياد في الحملة الشرسة التي جرت تمهيداً للاستفتاء الشعبي حول عضوية بريطانيا في الاتحاد، فلم تؤيد أي طرف من الأطراف. وظن البعض أن نجاح الجناح الذي دعا إلى انسحاب بريطانيا من أوروبا بقيادة النائب المحافظ ذي الشعبية الواسعة بوريس جونسون، رئيس بلدية لندن السابق، سيؤدي إلى وصول جونسون إلى رئاسة الوزراء. إلا أن جونسون اكتشف في آخر لحظة أن زميله في الحزب والحملة للخروج من أوروبا مايكل غوف، وزير العدل السابق، قد خانه ورشح نفسه لخلافة كاميرون فحصل انقسام في جناحهما، ما أزعج جونسون ودفعه لإعلان تخليه عن المنافسة على المنصب في شكل مفاجئ في مؤتمر صحافي كان دعا إليه سابقاً للإعلان عن ترشيح نفسه لخلافة كاميرون، ما صدم أنصار جونسون الذين غصت بهم القاعة مع عدد كبير من الصحافيين لدرجة أن البعض من مؤيديه انفجروا بالبكاء أمام عدسات المصورين. ولم يُخفِ جونسون أن غوف خانه وكال له الانتقادات التي وصلت حد الشتائم، حيث اتهمه بأنه «ثرثار». وبسرعة البرق التصق لقب «الخائن» بغوف ولم يسعفه مساعدوه ومن بينهم زوجته ساره فاين، وهي ركن أساسي في صحيفة «التايمز» وتتولى الإشراف على حملة تلميع زوجها. من ناحية اخرى، رفعت الشرطة حالة التأهب الأمني، بعد العثور على طرد يحوي «مسحوقاً أبيض» في مبنى البرلمان، في ما يشتبه أنه حادث كيماوي. وعكفت الشرطة على تأمين المبنى، وتمّ اصطحاب أعضاء مجلس اللوردات الى إحدى شرفات المبنى.
مشاركة :