تعوّد الصائم خلال شهر رمضان المبارك على ضبط تناوله الطعام والشراب، وعلى التحكم في الجوع Hunger إلى تناول الطعام، والأهم السيطرة على الشعور بالشهية Appetite إلى تناول ما لذّ له وطاب من أصناف الطعام والشراب. وأثناء صوم نهار أيام الشهر الفضيل، يُفرّق الصائم بين نوعين من المشاعر، الشعور بـ«الجوع» والشعور بـ«الشهية»، وهما في الحقيقة شعوران منفصلان ومختلفان، وما يغيب عنّا أنهما يبقيان ضمن مجموعة «المشاعر» Feelings. وخلال العقود الماضية تطورت البحوث والدراسات العلمية والطبية لجعل فهمنا أفضل لآليات ومسببات تناول الناس الطعام، خصوصا مع ظهور انتشار السمنة وأيضًا مع ظهور التقسيمات الطبية لأنواع شتى من اضطرابات الأكل التي منها ما له أسباب عضوية ومنها ما هو مرتبط باضطرابات نفسية عصبية. والشبع Satiety شأن آخر ينتج عن تناول الطعام والشراب ولكن لا علاقة بمدى تزويد الجسم باحتياجه الطبيعي منهما، أي الطعام والشراب. ولذا قد يكتفي الجسم بتناول المرء مقدارًا معينًا من الطعام والشراب يكفي لإزالة الشعور بالجوع ولكن يبقى المرء مستمرًا في تناولهما تحت ضغط الشهية للوصول إلى حالة الشبع. والفهم الأفضل المطلوب في هذا الشأن هو مفتاح التعامل الصحيح مع كل تلك الاضطرابات الصحية والمرضية. وما يحتاج المرء إلى إدراكه هو المعلومات المتعلقة بالشهية والجوع والشبع التي تعينه على التعامل معهم كمشاعر يشعر بها وقد يُعاني منهم ومن تبعاتهم الصحية. الشهية هي الرغبة في تناول نوع أو أنواع من المأكولات أو شرب أحد أصناف المشروبات التي لا يحتاج المرء إلى إجراء عملية المضغ قبل بلعها. وهناك نوعان من الشهية، شهية نتيجة للشعور بالجوع، وشهية أخرى لا علاقة لها مطلقًا بشعور المرء بالجوع، بل قد يشتهي المرء تناول طعام ما نتيجة لمثيرات بصرية أو شمّية أو لمجرد سماع حديث أو خاطر في الذاكرة عن صنف معين من الطعام. وبالمقابل، الشعور بالجوع قد يُؤدي إلى شهية تناول الطعام، وقد لا يُؤدي إلى اشتهاء تناول الطعام. والشهية المرتبطة بالجوع تحصل نتيجة لعوامل بين أجزاء الجهاز الهضمي والأنسجة الشحمية في الجسم والجهاز العصبي، والشهية غير المرتبطة بالجوع لا علاقة لها باحتياج عضوي للجسم إلى تناول الطعام أو الشراب. وكان كل من العالمين كانون ووشبيرن قد افترضا في عام 1912 أن تناول الطعام يبدأ من خلو المعدة، وقالوا إن المعدة الخالية تلتصق وتحتك جدرانها ببعضها ما يُصدر صوت قرقرات الجوع. Hunger Pangs ولكن تبين أن الجوع وقرقرات المعدة كلاهما يحصل أيضا لدى منْ تم استئصال المعدة عندهم جراحيا. ومن ثم ظهرت نظريات تلو نظريات حول هذه الأمور الثلاثة، الشبع والجوع والشهية، وتبين أن هناك عددا من الهرمونات التي تفرزها أجزاء شتى في الجسم، في الجهاز الهضمي والجهاز العصبي وأماكن أخرى في الجسم، لها علاقة بها. وأن مخزون الطاقة في الجسم له أيضًا دور في الأمر. وأن شهية الإناث للأكل تختلف عن الذكور، وغالبًا أعلى. وأن العمر وحجم كتلة الجسم وعوامل كثيرة أخرى تتدخل في تلك المشاعر. ولكن تبقى آلية تنظيم الجسم للشهية من الأمور المحيرة علميًا، وربما كان اكتشاف هرمون «ليبتين» LEPTIN في التسعينات الماضية أحد الاختراقات العلمية، لتتبعه عدة اكتشافات لهرمونات ومواد كيميائية أخرى في الجسم، خصوصا في الجهاز العصبي، لها دور في تنظيم عملية شهية تناول الأكل. ووصلت نتائج البحث العلمي إلى أن الجهاز العصبي له دور كبير في هذه المشاعر، بما يفوق الجهاز الهضمي والأجزاء الأخرى من الجسم، وفي الحقيقة تبين أن الجهاز الهضمي وأجزاء الجسم الأخرى ومخزون الطاقة كلها تعمل وتساهم في عمليات إيقاف نشاط الجهاز العصبي وسلوكياته لضبط تناول الطعام ووقف الإفراط فيه. ولذا، بعيدًا عن حالات الاضطرابات المرضية في الأكل وبعيدًا عن عدد من الأمراض المعروفة طبيا التي تُؤثر في مشاعر الشبع والجوع والشهية، فإن غالبية اضطرابات الأكل لدى غالبية الناس مرتبطة بالقدرة على التحكم الذاتي في عملية تناول الطعام. والأساس فيها إدراك أن تناول الطعام بالأصل هو لتزويد الجسم باحتياجه الضروري من العناصر الغذائية والسوائل كي يتمكن الجسم وكي تتمكن أجهزة الجسم المختلفة من أداء أدوارها الحيوية من أجل استمرار الإنسان في العيش براحة. ما يتعلمه الجسم من الصوم هو أن تنمية قدرة الإنسان على التحكم في تناول الطعام والشراب هو أمر ممكن، وأن بإمكان المرء ضبط كمية الطعام التي يتناولها، وأنه يستطيع أن يمتنع عن تناول كثير مما لا يحتاجه الجسم بل الكثرة منه فيها ضرر للجسم. وأنه يستطيع أن يحدد أوقاتًا لتناول الطعام وأوقاتًا يتوقف فيها عن تناوله. وأن هذا كله ممكن وليس مستحيلا. ولذا ما يتبقى هو ضبط هذه المشاعر، مشاعر الشهية ومشاعر الشبع، واللجوء إلى تناول الطعام لا يكون إلا عند الشعور بالجوع، ويتناول المرء ما يكفي لإزالة هذا الشعور عن نفسه. * استشاري باطنية وقلب مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
مشاركة :