يجمع علماء الإسلام وخبراء وأساتذة الاقتصاد الإسلامي على أن حصيلة الزكاة تكفي لحل مشكلات الفقراء والعاطلين في بلادنا العربية والإسلامية ومع ذلك تتزايد أعداد الفقراء والمحتاجين نتيجة إهمال هذه الفريضة الإلهية من دون أن تتحرك مؤسسات المجتمع لإحياء وتفعيل هذه الفريضة الغائبة عن حياة كثير من المسلمين لتؤدي رسالتها الاجتماعية والإنسانية في المجتمع. علماء الشريعة الإسلامية يؤكدون أن إهمال هذه الفريضة عصيان لله ورسوله، وجحود لنعمة المال التي أنعم الله بها على كثير من خلقه، فالإنسان الذي يبخل ببعض ما أنعم الله عليه به لن يعيش سعيداً بأمواله في الدنيا، ولو تحققت له هذه السعادة الكاذبة فسوف يكتوي بهذه الأموال التي بخل بها ويندم على بخله وجحوده يوم لا ينفع الندم. وكيل الأزهر الأمين العام لهيئة كبار العلماء الدكتور عباس شومان يؤكد بداية أن الزكاة فريضة لا يجوز لمسلم قادر أن يجحدها أو يهملها أو يتكاسل عنها.. ويقول: ما يقدمه الأغنياء للفقراء من خلال منظومة الزكاة ليس منحة أو هبة، بل هو بنصوص القرآن والسنة واجب عليه وضريبة لابد من الوفاء بها، وإلا أصبح خارجاً عن الإسلام. ويرى د. شومان أن الوعي الديني والاجتماعي بأهمية الزكاة ضعيف، ويعترف بوجود تقصير من دعاة الأمة في التعريف بأهمية الزكاة وحتميتها كفريضة واجبة ولازمة لحل مشكلات وإنهاء أزمات في المجتمع. ويؤكد وكيل الأزهر أن هناك عقوبتين لتاركي الزكاة واحدة في الآخرة والثانية في الدنيا، حيث توعد الله عز وجل مانعي الزكاة بالعذاب الشديد في كثير من الآيات كما حذرت السنة النبوية من المصير المؤلم للمتهاون في أداء زكاة ماله في قوله صلى الله عليه وسلم: ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي حقها إلا جعلت له يوم القيامة صفائح، ثم أحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبهته وظهره، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين الناس فيرى سبيله، إما إلى الجنة وإما إلى النار، وما من صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي حقها إلا أتي بها يوم القيامة تطأه بأظلافها، وتنطحه بقرونها، كلما مضى عليه أخراها ردت عليه أولاها، حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار. وفسر وكيل الأزهر قلة البركة والخسائر المتلاحقة في أموال كثير من أثرياء المسلمين قائلاً: أحد الأسباب الرئيسية لذلك، هو منعهم الزكاة مما أفسد المال كله ومحقت بركته وخيريته، وهذا ما أخبرنا به الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: ما خالطت الزكاة مالا إلا أفسدته وعلى العكس من ذلك فإن الزكاة تعد من الوسائل الشرعية للمؤاخاة الحقيقية بين أغنياء المسلمين وفقرائهم من خلال التكافل الاجتماعي والتعاطف الإنساني. حق أصيل العالم الأزهري د. محمد مختار جمعة وزير الأوقاف المصري يؤمن بأن الحرص على فريضة الزكاة واجب وطني إلى جانب كونها واجباً دينياً، ويقول: تزايد الفقراء وأصحاب الحاجات في العديد من بلادنا العربية يجب أن يولد شعوراً وطنياً بضرورة المساهمة في حل مشكلاتهم وعدم ترك هذه المسؤولية على كاهل الحكومات حيث تعجز خزائن بعض الدول عن الوفاء بكل حاجات الفقراء، ويقول: لا خلاف على أن الزكاة يمكن أن تحل مشكلتي الفقر والبطالة وتخفف الأعباء عن خزائن الحكومات المثقلة بالأعباء في معظم الأقطار العربية، فالزكاة إذا وظِفت توظيفا صحيحا في مصارفها الشرعية تسد ثغرة كبيرة في احتياجات الفقراء والكادحين والمصالح العامة للوطن، وإذا سخت نفوس الأغنياء والقادرين بالصدقات وقاموا بواجبهم في باب فروض الكفايات من إطعام الجائع، وكساء العاري، ومداواة المريض، وإعانة المحتاج، وأسهموا فيما يحتاج أصحاب الحاجات فإن وجه الحياة لأي وطن سيتغير، ولن يكون بين أبنائه محتاج ولا متسول. وهنا يذكر د. جمعة كل القادرين بأن الزكاة حق أصيل في المال، وركن رئيس من أركان الإسلام كالصلاة والصيام سواء بسواء، وقد قال سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: ثلاث في القرآن الكريم نزلت مقرونة بثلاث لا تقبل واحدة منها دون الأخرى، وهى قوله تعالى: وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول إذ لا تقبل طاعة الله مع معصية رسوله صلى الله عليه وسلم، وقوله تعالى: وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فمن ضيع الزكاة مع وجوبها عليه لم تغن عنه صلاته من الله شيئاً، وقوله تعالى: أن أشكر لي ولوالديك إلي المصير، فمن لم يشكر ولوالديه جميلهما وصنيعهما لم يشكر الله عز وجل. كما يذكرنا د. جمعة بأن الإسلام قد دعا إلى الصدقة والإكثار منها حيث يقول سبحانه: مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم ويقول صلى الله عليه وسلم: ما نقص مال من صدقة كما يقول عليه الصلاة والسلام: خير الصدقة أن تتصدق وأنت صحيح شحيح ترجو الغنى وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان وقد كان لفلان. ويرى وزير الأوقاف المصري أن الخلل الذي أصاب حياتنا وحرم مجتمعاتنا من بركة الزكاة قد يكون من جهة الدافع أو جهة متلقي الزكاة أو من الجهة الوسيطة سواء أكانت شخصاً أم جمعية أم مؤسسة، فكثير من القادرين بخلوا بالزكاة أو تكاسلوا عنها، أو تحايلوا للهروب منها، والبعض يدفع من دون تمحيص أو تدقيق في أمر الجهة التي يدفع لها فتهدر أموال الزكاة على غير المستحقين لها. وهنا ينبغي أن يركز الخطاب الديني على وجوب الزكاة وأهمية إخراجها والإثم الشديد المترتب على منع حق الله عز وجل في المال. كما أن بعض أموال الزكاة قد تهدر - كما يشير د. جمعة- على ضعاف النفوس من المتسولين ممن تسول لهم أنفسهم الحصول على المال من أي طريق حتى لو كان فيه إراقة ماء وجوههم. آليات الجمع والتوزيع ويؤكد وزير الأوقاف المصري على ضرورة مراجعة وتطوير آليات جمع الزكاة وتوزيعها في عالمنا العربي والإسلامي، ويقول: مع إيماننا بدور بعض مؤسسات المجتمع المدني في التخفيف من معاناة الفقراء والكادحين سواء من خلال نفقات أم من خلال مشروعات خدمية، وبخاصة الطبية منها، فإنني أرى أن هذه المؤسسات تحتاج إلى أن تكون تحت مراقبة دقيقة لأجهزة الدولة وأن تقوم هذه الأجهزة بالمتابعة والمراقبة على الوجه الأكمل، وأن تكون هناك شفافية واضحة في إعلان الميزانيات، والنفقات والمكافآت مع ترشيد الإنفاق الإداري إلى أقصى درجة ممكنة.. كما ينبغي أن تكون هناك خريطة واضحة لوجود هذه المؤسسات، ونطاقها الجغرافي وأنشطتها بحيث لا تصب كلها في مجال واحد أو مجالات محدودة، مع إهمال مجالات ربما تكون أكثر أهمية وحيوية للمجتمع. ويقترح د.جمعة إنشاء شبكة ربط وتنسيق إلكترونية يتم من خلالها ربط المستفيدين بالمنفقين، وبمؤسسات المجتمع المدني في نطاقها الجغرافي أو الخدمي، بحيث تنتفي ظاهرة المقيدين أو المستفيدين بحرفية تسولية من جهات أو جمعيات متعددة في حين لا تصل الزكاة والصدقات إلى مستحقيها الحقيقيين. وينبغي أيضاً أن تحدد أهداف وأغراض واضحة لجمعيات ومؤسسات جمع الزكاة وتوزيعها، أو تخصص كل جهة أو جمعية لغرض منها، كإطعام الجائعين وعلاج المرضى، وسداد ديون الغارمين، وهكذا. عار في جبين الأمة الفقيه الدكتور محمد نبيل غنايم أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة القاهرة يؤكد أن حالة الرواج الاقتصادي التي تعيشها مجتمعاتنا العربية لم تنعكس للأسف الشديد على الفقراء وأصحاب الحاجات بسبب غياب ثقافة العطاء حيث تؤكد التقارير الاقتصادية والاجتماعية ارتفاع حدة الفقر وزيادة أعداد الفقراء في كثير من الدول العربية والإسلامية، ويقول: من المفارقات الغريبة أن ينفق المسلمون مئات الملايين على حج التطوع كل عام، ويسافر عشرات الآلاف لأداء مناسك سبق لهم أن أدوها ويتركون الفقراء يعانون. ويضيف: ينبغي أن نعترف بأن هرم الأولويات في حياتنا- نحن المسلمين- قد انقلب، فالهامشيات أصبحت لها الأولوية، والضروريات توارت وراء المظاهر الخادعة التي تتخذ لنفسها مظهراً دينياً زائفاً، ومن هنا يأتي هذا الخلل الواضح في أولويات أفعالنا وتصرفاتنا.. وإذا كنا نؤمن بالله حقا ونتبع تعاليم الدين صدقا فإن علينا أن نعيد النظر في أوضاعنا وتصرفاتنا واضعين مصلحة المجتمع نصب أعيننا، فالله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه، ومن فرج عن امرئ كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب الآخرة، كما ورد في الأحاديث النبوية الصحيحة. ويرى د. غنايم أن مشكلة الفقر التي تتزايد في كل بلاد المسلمين هي في حقيقة الأمر عار في جبين الأمة الإسلامية التي حباها الله بكل الخيرات والثروات، ويقول: لا ينبغي أن نطالب الحكومات وحدها بمواجهة هذه المشكلة، فكل إنسان أنعم الله عليه بالمال مسؤول أمام الله عن معاناة فقير أو أكثر حسب قدرته وإمكاناته، وأنا على ثقة بأن أغنياء المسلمين لو دفعوا زكاة أموالهم بحرص وإخلاص ووجهوها للمحتاجين المستحقين للزكاة ما بقي فقير واحد في بلادنا العربية والإسلامية، ولاستطعنا توفير فرص عمل جيدة لمئات الآلاف من الشباب العاطل الذي لا يجد ما يفي بمتطلباته المعيشية ويوفر له فرصة للزواج والاستقرار وإفادة مجتمعه.
مشاركة :