للأسف تحولت مناسبات السرور كرمضان والعيدين لمواسم للتوتر المفرط والشحناء والخصومات وحتى العنف الأسري والطلاق، وهذا كله بسبب غلبة ثقافة غرور الأنا المتمثلة في الوجه الاجتماعي الذي يريد الشخص أن يعكسه للآخرين ولو كان واقعه مناقضا له، كحال من يأخذ قروضا ربوية أو يختلس ويأخذ رشاوى مالية فقط للصرف على مظاهر استهلاكية باذخة لأنه يريد أن يوقع بها انطباعات معينة يراها مرغوبة عنه لدى الآخرين، والمفارقة أنه حتى الذين ينتقدون الآخرين على أن صرفهم على هذا الوجه الاجتماعي الاستهلاكي لا يتناسب مع واقع مصدر دخلهم ويعزون هذا الصرف الزائد إلى القروض والفساد المالي هم أنفسهم واقعون في ذات السلوك، وهكذا تحولت المناسبات ذات الطبيعة الاجتماعية كرمضان والعيدين والأعراس لمناسبات للاستعراض الفج المبتذل بالبذخ المادي وليس لتوثيق عرى الروابط العائلية والاجتماعية القلبية الحميمة، بل أدت لقطع كثير من روابط الرحم؛ فمن لا يستطيع مجاراة هذا النمط الاستعراضي بالبذخ المادي لدى أقاربه بات يؤثر جفوتهم وعدم التزاور معهم، وكثيرون سجنوا بسبب ديون صرفت على مثل هذا الاستعراض المادي الاستهلاكي السخيف، ووصل الأمر إلى درجة فسخ الزيجات قبيل العرس للاختلاف على مدى البذخ المطلوب في حفل العرس، وكل هذا لأجل خلق انطباع غير صحيح لدى الآخرين عن أنهم أغنى مما هم عليه في الواقع، وهذا دائما هو نمط من تضخم غرور الأنا لديه أكبر من واقعه وليس لديه في ذاته وحياته ما هو أكثر جوهرية وقيمة من المظاهر المادية، ولهذا عادة الأشخاص الأكثر عمقا ونضجا ونجاحا علميا وعمليا وحتى الأكثر ثراء يميل سلوكهم إلى البساطة وعدم الاستعراض بالبذخ المادي فهم لا يحتاجون لإثبات شيء لأحد، وبالعموم السلوك الاستعراضي المادي دائما يدل على أن الشخص في أحسن الأحوال هو محدث نعمة ويفتقر للنضج الجوهري الفكري والنفسي والقيمي، والخلاصة؛ يمكن للناس خفض كم التوتر والضغوطات والشحناء التي تحول مناسبات السعادة إلى تعاسة بالتخلي عن الوجه الاجتماعي المتكلف المتصنع وغير الحقيقي وتبني نمط البساطة والعيش والتعامل مع الحياة والناس من منطلق الجوهر وليس منطلق غرور الأنا، ويشكر لمجتمع مواقع التواصل الاجتماعي أن ضميره الجمعي لديه ما يكفي من النضج والرقي ليجعله يستنكر ولا يمتدح شطحات السلوك الاستعراضي الفج والسخيف في الضيافة وإهدار النعمة بشكل يستفز الحس الأخلاقي والإيماني، وعلى أصحابه استحضار أنهم محاسبون أخرويا عليه. وأخيرا السعادة طويلة الأمد هي ثمرة للنضج الجوهري النفسي والفكري والروحي.
مشاركة :