لم تكن فيرجينيا رادجي، قبل أشهر معدودة فقط، شخصية معروفة في الوسط السياسي الإيطالي، أو على المستوى الشعبي، إلا أن الكرسي الذي تحتله عمدة روما اليوم، لم تسبقها إليه امرأة منذ 3000 سنة، لاسيما أنها محامية شرسة تعهدت بالقضاء على الفساد والتصدي للبابا والمافيا وتنظيف الطرقات، في أول تحرك لها بعد فوزها بمنصبها. وأفادت صحيفة ديلي ميل البريطانية، في تقرير نشر أخيراً، أن رادجي البالغة من العمر 37 عاماً، محامية عنيدة ونجمة صاعدة في صفوف حركة النجوم الخمسة المعارضة. وقد أصبحت أول امرأة في روما تتقدم بفارق كبير على منافسيها في الانتخابات البلدية، على الرغم من أنها كانت قبل بضعة أشهر فقط شبه مغمورة سياسياً وشعبياً. إلا أن فيرجينيا حققت فوزاً مدوياً بعد أن استثمرت في غضب الشارع إزاء الفساد السياسي وتدهور الخدمات في العاصمة الإيطالية. كما تعهدت بمتابعة قضية 310 ملايين جنيه استرليني من أموال الضرائب غير المدفوعة من قبل مؤسسات الفاتيكان العقارية وبعض الأصول لديها. وصرحت رادجي، في حديث لها مع صحيفة غارديان البريطانية، عن نيتها التصدي للكنيسة الكاثوليكية، معلنةً أنها لا تخشى كما أسلافها من التطرق للمسألة، وقالت: سأعمل على إحلال الشرعية والشفافية، وتعهدت بـإطلاق عصر جديد، لاسيما في ظل تضعضع قواعد السلطة لأبرز أحزاب روما، وتراجع مستوى الخدمات البلدية، لاسيما قطاع المواصلات والنقل المكتظ، وإصلاحات الشوارع وجمع النفايات. وبدا أن الناخبين قد أعجبوا بشخصية خريجة جامعة روما القوية، لاسيما حين ضاقت عيناها خلال إحدى المناظرات التلفزيونية بين المرشحين، وردّت الهجوم بكل جسارة. إلا أن رادجي أبدت شيئاً من الليونة في نهاية المقابلة، وناشدت الناخبين عبر توجيه رسالة بسيطة إليهم حققت مرادها، ومفادها: إذا أردتم أن تبقى الأمور على حالها فصوتوا لهم. ويتمثل أحد أكبر التحديات التي تنتظر فيرجينيا في إمكانية إقناع أهل روما بأنها تستطيع العمل بشكل مستقل، على الرغم من توقيع عقد مع حركة النجوم الخمسة تتعهد فيه بالسير على خطى الحركة والالتزام بخطها والتشاور معها حول كل القرارات الإدارية الأساسية، والتي تنص كذلك على تغريمها مبالغ ضخمة في حال كسر القواعد. لكن فيرجينيا ردت على ذلك بالقول: لعل أربعة أو ستة أعين أفضل من اثنتين في الصراع نحو إحلال الشفافية في روما، لكنها شددت بالقول: إنني أحظى بالاستقلالية التامة. وكانت الحركة قد أجرت الانتخابات الأولية لاختيار مرشحيها لمنصب العمدة عبر الإنترنت، وسرعان ما تقدمت رادجي كمرشحة أولية بفضل الخطاب الذي أرسلته عبر الفيديو. ولم يمض وقت طويل حتى بدأت صورها تظهر في محطات قطارات الأنفاق وجوانب الحافلات. وقد حظي أبناء روما بوقت كافٍ للتآلف مع وجهها بينما ينتظرون الحافلات المعروفة بالتأخير عن مواعيدها. وقد ركزت رادجي على هذه المسألة بالذات، وتعهدت بأن توقف سجل 20 عاماً من الركود والفساد وسوء الأعمال الإدارية. وكان لموقف الحركة التي تأسست على يد الكوميدي بيبي غريللو، المناهض للفساد، صدى خاصاً في روما، حيث أجبر العمدة اليساري الوسطي على تقديم استقالته العام الماضي على خلفية فضيحة نفقات هائلة بعد أشهر فقط على الحديث عن أفراد عصابات يعملون على تجريد خزائن روما عبر ضروب من الغش والاحتيال. وعزز قضيتها طرد سلفها إغناسيو مارينو من الحزب الديمقراطي، على خلفية فضيحة مالية وأخرى أكثر هولاً منها تتعلق بتسلل الجريمة المنظمة، في قضية عرفت بـفضيحة المافيا كابيتال التي أظهرت تورط عشرات من رجال الأعمال المحليين والمسؤولين والسياسيين ومثولهم للمحاكمة بتهمة الانتساب لخلية إجرامية جردت المدينة من عشرات أو مئات ملايين اليوروهات. إلا أن الناقدين يشيرون إلى أن حجم التحديات الكبرى ومدى الاتساخ الذي تعيشه شوارع روما، سيكون عبئاً ثقيلاً على فريق سياسي غير متمرس تنقصه الخبرة. ملامح حياة ولدت فيرجينيا رادجي في روما، ودخلت عالم السياسة من بوابة حركة النجوم الخمسة التي انجذبت إليها وإلى إعلانها الحرب على المؤسسات الرسمية في البلاد. ترعرعت رادجي في منطقة سانت جون لاتيران في روما، وكانت طفلة مجتهدة مولعة بالدراسة. وقالت رادجي إن ولادة ابنها ماتيو رسّخت قناعتها بضرورة القيام بشيء ما حيال المدينة المخربة التي أصبحت، بعد أن كانت يوماً عاصمة إمبراطورية، مدينة تملأ طرقاتها الحفر والنفايات. وانتخبت رادجي كأحد أعضاء مجلس المدينة عام 2013، وسرعان ما لفتت المحامية الأنظار بخطبها البليغة وعنادها.
مشاركة :