شبح خروج بريطانيا يهيمن على قمة وخطط حلف الأطلسي

  • 7/9/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

إعداد: عمار عوض ظل حلف شمال الأطلسي يحضر نفسه لتضييق الخناق على روسيا، بعد ارتفاع درجة التوتر بينها وبين دول شرق أوروبا المنضوية تحت لواء الحلف، وخصص منذ وقت سابق قمة الحلف في العاصمة البولندية وارسو، لوضع النقاط على الحروف في خططه بهذا الشأن، ولكن أتى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، العضو الرئيس في الحلف، بغير ما يشتهي قادته، ما سيلقي بظلاله السالبة على هذه القمة لجهة التعامل مع روسيا، التي تعد بريطانيا رأس الرمح في محاصرتها بخصوص أوكرانيا من داخل التكتل الأوروبي، الذي يفرض عقوبات على موسكو، وليس بعيداً عن ذلك الحرب التي يشنها الحلف على الإرهاب وتنظيم داعش. بعيداً عن خروج بريطانيا، سينظر الحلف في قضايا متعلقة بالتصعيد من جهة كوريا الشمالية على شريك الحلف كوريا الجنوبية، وما يجري في بحر الصين الجنوبي، وهي كلها شواغل سينظر الحلف في معالجتها في أهم قمة له منذ تأسيسه. سارعت الولايات المتحدة القوة الرئيسة في الحلف باستباق القمة عبر زيارة قام بها وزير الخارجية جون كيري إلى لندن وبروكسل، بغرض محاصرة تداعيات خروج بريطانيا في أضيق نطاق ممكن، بعد أن قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما في مقابلة إذاعية حدثت بعض الهستيريا بعد اقتراع بريطانيا بالخروج من الاتحاد الأوروبي، كما لو أن حلف شمال الأطلسي اختفي بشكل ما، والتحالف عبر الأطلسي انفصمت عراه، وكل دولة تهرع لزاوية خاصة بها، لكن هذا ليس ما يحدث. بالعودة إلى بروكسل نجد أن كيري عقد اجتماعاً مهماً مع الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرج، وشدد على أهمية التحالف العسكري في أعقاب الاستفتاء البريطاني، وعبر عن توقعاته بأن يكون اجتماع قمة زعماء الحلف قوياً وأنه لن يتأثر بنتيجة التصويت في بريطانيا. ولكن على الجهة الأخرى من طاولة الاجتماع، نجد أن ستولتنبرج، وهو من النرويج العضو في الحلف لكنها ليست عضواً في الاتحاد الأوروبي، ينظر للأمر من زاوية مختلفة، معتبراً أن حلف شمال الأطلسي أصبح أكثر أهمية كمنبر للتعاون بين أوروبا، وأن المملكة المتحدة ستظل حليفاً قوياً وملتزماً تجاه الحلف، وستستمر في لعب دور قيادي في الناتو، وقال: إننا نواجه اليوم مزيداً من عدم الاستقرار وعدم اليقين، وإن دور حلف الأطلسي يعد أكثر أهمية من أي وقت مضى بصفته منصة للتعاون بين الحلفاء الأوروبيين وبين أوروبا وأمريكا الشمالية. ثغرة مخابراتية عند وضع معضلة قمة حلف الأطلسي في منصة التشريح والجرح والتعديل لجهة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يقول إيفو دالدر السفير الأمريكي السابق لدى حلف شمال الأطلسي ورئيس مجلس شيكاغو للشؤون الدولية: من الواضح أن لدينا بريطانيا أضعف بكثير، كما ستقل سطوتها على العواصم الأوروبية بسبب الاستفتاء، وقال إن أي أمر يؤدي لانقسام أوروبا هو نصر لروسيا، لأن تلك سياسة انتهجها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وتبنتها موسكو. وذهب مسؤول أمريكي أبعد من ذلك عندما قال هذا من المؤكد سيشجع الروس على الاستمرار، بل وعلى الأرجح تكثيف حملتهم لدعم الحركات القومية اليمينية المتطرفة في غرب وشرق أوروبا في إطار جهودهم لتحييد حلف الأطلسي. وترى هيذر كونلي مديرة البرنامج الأوروبي في مركز الدراسات الدولية الاستراتيجية في واشنطن، أن طلاق بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، الذي يمكن أن يستغرق عامين، سيكون الآن عملية مرهقة يمكن أن تشتت انتباهها عن مثل تلك الجهود، وقالت الأمر يتعلق بالوقت الذي سنحتاج فيه إلى المملكة المتحدة وقيادتها، سواء في مجلس الأمن أو في حلف الأطلسي.. سيكون اهتمامها متمحوراً على القضايا المحلية. بينما من المتوقع أن يبقى تبادل المعلومات المخابراتية بين الولايات المتحدة وبريطانيا، وهي إحدى أقوى العلاقات من نوعها في العالم، صامداً في وجه الصدمة السياسية. يقول بعض الخبراء إن التعاون في مجال مكافحة الإرهاب مع الشركاء الأوروبيين قد يعاني في وقت استهدفت فيه داعش عواصم أوروبية. وقال بروس ريدل وهو مسؤول سابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي.آي.إيه) وهو حالياً محاضر في معهد بروكنغز البحثي في واشنطن سيجعل الأمر من التعاون في أوروبا بشأن مكافحة الإرهاب أكثر صعوبة كما توقع أغلب رؤساء المخابرات البريطانيين قبل التصويت. لكن مايكل موريل، وهو قائم سابق بأعمال مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، رفض هذا الرأي، وقال إن التعاون فـي مجال مكافحة الإرهاب أكثر أهمية من أن يسمح للسياسة من أي نوع بالتأثير فيه. بوتين يدافع يتوقــــع أن يعلــــن حلـــــف الأطلســي خلال قمة وارسو تعزيــز جناحه الشرقي رداً علـى انتــزاع روسيــا شبـه جزيرة القرم من أوكرانيا في مارس/آذار 2014، ودعمها للمتمردين الذين يقاتلون كييف في شرق أوكرانيا منذ ذلك التاريخ، حيـث سبق وأعلن الأمين العام للحلف ستولتنبرغ أنه سينشر أربع كتائــب عسكريـــة قوية فـــي دول البلطيــق الثـــلاث (استونيا ولاتفيا وليتوانيا) وبولندا، ضمن حزمة إجراءات مهمة وافق عليها الناتو لتعزيز قـدرات التحالـــف الدفاعــــي والردع للــــــدول الأعضـــــاء. وكان اجتماع وزراء الدفاع في الحلف آخر شهر يونيــو/حزيـران الماضــي، قد شدد على تعزيــز القــدرات الدفاعيــة والردع في منطقة البحر الأسود، مع الإشارة في الوقت نفسه إلى أن الناتو لا يريد إثارة حروب. لكن الرئيس الروسي بوتين سارع للرد في أول مناسبة أتيحت له في البرلمان بمناسبة (الذكرى الخامسة والسبعين للهجوم الذي شنته ألمانيا في عهد النازية على الاتحاد السوفييتي السابق)، إلى القول، إن روسيا يجب أن تعزز استعدادها القتالي، رداً على التصرفات العدوانية لحلف الأطلسي قرب الحدود الروسية، وألقى باللوم على الغرب لعدم رغبته في بناء نظام أمني جماعي حديث بعيداً عن التكتلات، مع روسيا. ونجد أن بوتين يريد أن يفك الخناق المضروب عليه من قبل الحلف والخروج من العزلة الأمنية المفروضة عليه، وهو ما نلحظه في قوله روسيا منفتحة على مناقشة هذه القضية المهمة وأبدت أكثر من مرة استعدادها للحوار.. لكن تماماً مثلما حدث عشية الحرب العالمية الثانية، لا نرى أي رد فعل إيجابي في المقابل. وأضاف: على النقيض.. يعزز حلف شمال الأطلسي نبرتــه العدوانيـة وتصرفاته السافــرة قـــرب حــدودنا. في مثل هذه الأحــوال من واجبنا أن نولي اهتماماً خاصاً بتعزيز الاستعداد القتالي لبلادنا. تهدئه وخلاف ألماني نجد أن الحلف الذي تقوده الولايات المتحدة يعزز أنظمته الدفاعيـــة فـــي بولنــدا ودول البلطيق الثلاث في إطار نظام ردع أوسع نطاقاً يأمل أن يثني روسيا عن تكرار ما فعلته بضم شبه جزيرة القرم عام 2014. بينما ترى روسيا أن خطط الردع الخاصة بحلف شمـــال الأطلســـي عدائيـــة. وأجـــرى بوتــــــين مقارنـــات تاريخية بالأوضاع خلال حقبة الثلاثينات من القرن الماضي وقال إن الإنسانية الآن تواجه خطر الإخفاق في الصمود أمام تهديد الإرهاب سريع الانتشار مثلما عجزت عن الاتحاد في مواجهة القوة المتصاعدة لألمانيا النازية في السابق. ويقول بوتين المجتمع الدولي لا يُظهر ما يكفي من اليقظة والإرادة والتضامن لمنع وقوع هذه الحرب وإنقاذ ملايين الأرواح.وأضاف ما نوع الدرس الذي لانزال نحتاج إليه اليوم لنبذ الاختلافات الأيديولوجية القديمة والبالية وألعاب الجغرافيا السياسية والاتحاد في الحرب ضد الإرهاب الدولي؟ لتسارع المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل للسير في الطريق التي اختطها وزير خارجيتها فرانك فالتر شتاينماير وهو يحذر من أن التلويح بالقوة العسكرية قد يزيد حدة التوتر مع روسيا. وقالت ميركل إن ألمانيا ستواصل إجراء محادثات دورية مع روسيا لكنها ترى أيضاً تهديدات جديدة بالقرب من أوروبا وعازمة على زيادة إنفاقها العسكري، وكذلك تقوية الحلف، وأضافت أن حكومتها وافقت ككل على قرار حلف الأطلسي بتخصيص 2% من الناتج القومي الإجمالي للإنفاق العسكري على المدى الأبعد.وكان شتاينماير أثار عاصفة سياسية بالتحذير من استعداء روسيا، وقال في تصريحات نشرتها صحيفة بيلد الألمانية ما يجب ألا نفعله الآن هو إشعال الموقف من خلال استعراض القوة العسكرية وإطلاق صيحات الحرب. ويوضح شتاينماير فكرته الرافضة لسياسة حلف الأطلسي بقوله أي أحد يعتقد أن استعراضات رمزية بالدبابات على الحدود الشرقية للحلف ستجلب مزيداً من الأمن هو مخطئ.. من الحكمة ألا نوجد ذرائع لإحياء مواجهات قديمة. وكشفت تصريحات شتاينماير عن تزايد الانقسامات داخل الائتلاف الحاكم بألمانيا والذي يضم الحزب الديمقراطي الاشتراكي الذي ينتمي إليه شتاينماير والحزب الديمقراطي المسيحي المحافظ الذي تنتمي إليه ميركل لجهة سياسات حلف الأطلسي نحو روسيا، وهو ما نلحظه في دعوة شتاينماير إلى تخفيف تدريجي للعقوبات الأوروبية على روسيا، في وقت تحرز موسكو تقدماً في تطبيق اتفاق مينسك للسلام الخاص بشرق أوكرانيا، وهو موقف يتعارض مع إصرار ميركل بأنه لا يمكن رفع العقوبات إلا بعد تنفيذ الاتفاق بالكامل. هشاشة المستقبل إذا نظرنا إلى قمة الأطلسي نجد أنها معنية في المقام الأول بردع ومحاصرة روسيا، ولكننا نجد أن القمة ستجد نفسها محكومة بنتائج خروج بريطانيا التي ستلقي بظلالها على خطط حلف الأطلسي، نسبة لاضطراب الأوضاع في الاتحاد الأوروبي، الذي يعتبر رأس الرمح في هذا المخطط، حيث ذكرت مجلة السياسة الخارجية الأمريكية (فورين أفيرز) أن الساسة الروس احتفلوا بنتيجة استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، على أمل أن يخرب ذلك وحدة القارة فيما يتعلق بالعقوبات المفروضة ضد روسيا، بسبب تدخلها العسكري في أوكرانيا. ونقلت عن سيرغي سوبيانين رئيس بلدية موسكو قوله بدون بريطانيا، لن يكون هناك أي شخص في الاتحاد الأوروبي للدفاع بحماس عن العقوبات ضدنا. وقال أندريه كليموف، نائب رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الشيوخ في البرلمان الروسي لصحيفة نيويورك تايمز إنه لا يعتقد أن الاتحاد الأوروبي لديه الآن الوقت للتفكير في أوكرانيا أو حول العقوبات. وهو ما وافقه عليه مايكل ماكفول، سفير الولايات المتحدة السابق لدى روسيا عندما غرد في تويتير بالقول إن بوتين يستفيد من أوروبا الأكثر ضعفاً. وتصويت المملكة المتحدة يجعل الاتحاد الأوروبي أضعف. كما ذكرت مجلة فورين أفيرز أن خطط الحلف باتجاه الحرب ضد داعش ستتأثر أيضاً، خاصة أن بريطانيا كانت تعد من أبرز المساهمين في الحرب على التنظيم الإرهابي في العراق وسوريا، ولكن مع نتيجة الخروج ستضطر لندن لإلغاء خططها لتوسيع الإنفاق العسكري لأن الاقتصاد البريطاني سينكمش بنسبة تصل إلى 6%، وهو ما يعني أن بريطانيا التي تعتبر عماد عمل التحالف ضد داعش في العراق، ستتجه إلى تقليص عدد طلعاتها الجوية، والأمر نفسه ينطبق على خطط الحلف الأطلسي لنشر قوات في الدول المحاددة لروسيا وفي أوكرانيا تحديداً. هنا نجد أن قمة الأطلسي في وارسو تجابهها الكثير من العراقيل، حيث سيكون على قادة الحلف إبعاد شبح (الخروج) البريطاني، وتأثيره داخل دول الاتحاد الأوروبي في أعضاء الحلف، ومن جهة أخرى سيعمل على حمل بريطانيا للالتزام بالخطوط العامة لمخططات الحلف نحو روسيا، وهي مهمة تبدو صعبة لكنها ليست مستحيلة. حلف الأطلسي في خمسة أرقام 3.2 مليون جندي: لا يمتلك الحلف قواتٍ ولا أسلحة خاصة به، بل تؤمنها الدول الأعضاء للمناورات والعمليات والأمور اليومية للحلف. لكن الدول الأعضاء ال 28 للحلف تستطيع بالإجمال أن تحشد عند الضرورة 3.2 مليون من الموظفين والعسكريين منهم 1.3 مليون يخدمون في الجيش الأمريكي. 918 مليار دولار: الميزانية العسكرية والدفاعية للبلدان ال 28 الأعضاء في الحلف. الولايات المتحدة تقدم 664 مليار دولار، وتؤمن القسم الأكبر من هذه الميزانية. البند الخامس: هذا البند من معاهدة شمال الأطلسي الموقعة في 1949 في واشنطن، هو الدعامة الأساسية للحلف.وهو يتضمن فقرة تضامن أو دفاع جماعي وفق مبدأ الجميع من أجل واحد التي تنص على أنه في حال تعرض أحد بلدان الحلف لهجوم، يتحرك الأعضاء الآخرون بصورة فردية أو جماعية للدفاع عنه. لكن البند الخامس لم يستخدم أبداً خلال الحرب الباردة. وفي 2001 فقط، بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول، أحيته الولايات المتحدة عندما طلبت من حلفائها التدخل إلى جانبها ضد طالبان في أفغانستان. 29 عضواً عما قريب: في مايو/أيار الماضي، أطلق الحلف المؤلف من 28 دولة عضواً، عملية انضمام جمهورية مونتينيغرو الصغيرة في دول البلقان، التي ستصبح في غضون 18 شهراً إلى سنتين، عضواً كاملاً. والعملية في المقابل متوقفة بالنسبة إلى جورجيا وأوكرانيا، على رغم سياسة الباب المفتوح التي تقررت حيال هذين البلدين في 2008. 240 مناورة في 2016: بعد الأزمة الأوكرانية، بدأ الحلف تحولاً جذرياً لجعل قواته أكثر قدرة على الاستجابة، من خلال اتخاذ تدابير لطمأنة البلدان السابقة في الكتلة السوفييتية التي تتخوف من أن تتعرض بدورها لتقويض الاستقرار بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، من جرّاء هجوم تشنه موسكو. وزاد الحلف ودوله بطريقة كبيرة مناوراتهم العسكرية. وقد نظموا حوالي 280 مناورة في 2015، و240 مناورة في 2016. تأسس حلف شمال الأطلسي (الناتو) في 1949 في بدايات الحرب الباردة، مؤسسة للتعاون السياسي العسكري فريدة من نوعها في العالم، بسبب بند الدفاع الجماعي الذي يربط دوله الأعضاء.

مشاركة :