في لبنان حيث رائحة النفط في كل مكان بعد أزمة حالت لأكثر من ثلاث سنوات، وفق «قواعد التعامل»، بين الفئات السياسية على اختلافها. والسؤال: ما الذي حدث اليوم حتى تمت رؤية «الهلال النفطي» بعد هذا الانتظار واحتجاب دام طوال هذا الوقت؟ لا شك في أن وجود النفط في باطن الأراضي اللبنانية في اليابسة وفي البحر ثروة وطنية كبيرة، وإذا ما أحسن استخدامها ستكون العلاج الطبيعي للديون المتراكمة منذ سنوات. وقد دخل النفط سلعة نادرة للتجاذب بين الأطراف المتنازعة على موقع رئاسة الجمهورية. والسؤال البديهي الذي طرح منذ الإعلان عن «صفقة التفاهم النفطي» بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حركة التغيير والإصلاح جبران باسيل: هل سيكون «لبنان النفطي» نعمة أم نقمة؟ نكتفي في الوقت الراهن بمواكبة ما يجري ليبنى على الشيء مقتضاه ونتحول إلى ما يتعرض له لبنان من أخطار، الظاهر منها والمستتر. وفي طليعة ذلك أزمة النازحين واللاجئين. لقد مر اليوم العالمي للاجئين (قبل أيام)، ومع أن لبنان لم يوقع اتفاقية جنيف للاجئين في 1951 فإنه مصنف على أنه بلد اللجوء الأول في العالم نسبة لعدد اللاجئين على أراضيه مقارنة بعدد المقيمين. والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين تسجل مليوناً و48 ألف لاجئ سوري، وعشرين ألف لاجئ عراقي ونحو 1500 لاجئ ما بين سوداني وصومالي وإثيوبي، إضافة إلى نكبة اللاجئين الفلسطينيين منذ احتلال فلسطين في 1948، ونكسة 1967 (مسجلون في وكالة الأونروا) ومعهم الفلسطينيون من فاقدي الأوراق الثبوتية ونحو 50 ألف لاجئ فلسطيني من سورية. فعدد اللاجئين من مختلف الجنسيات يلامس المليونين و500 ألف لاجئ إذا ما أضفنا إليهم غير المسجلين في المفوضية التي كانت توقفت عن تسجيل لاجئين سوريين جدد نهاية أيار (مايو) 2015 بطلب من الحكومة اللبنانية. وتعيش غالبية اللاجئين في لبنان تحت خط الفقر والمحدد بــ 3.8 دولار للفرد يومياً (أي 70 في المئة). والسؤال الطبيعي: كيف يمكن لبنان أن يتعايش مع هكذا أزمة حياتية؟ عن الجانب السياسي المأزوم داخل الحكومة السلامية، أعلن رئيسها تمام سلام أن التاريخ سيسجل أن الحكومة الحالية هي الأفشل في تاريخ تأليف الحكومات. وإضافة إلى ذلك فالرئيس سلام يمضي ما يشبه عضوية الأشغال الشاقة مع الحال التي وصل إليها البلد وحال الحكومة. ومن المآسي التي تعيشها الحكومة: التنافس على التعطيل بدل التنافس على التفعيل، «والوضع الاستيعابي» للوزير سجعان قزي (يواظب على تيسير الأعمال) وزميله وزير الاقتصاد آلان حكيم. ومع أهمية الخلاف بين رئيس حزب الكتائب الشيخ سامي الجميل والكتائبي العتيق سجعان قزي، فالواقع الحكومي بكامله يعاني الكثير من الأزمات ولا يجوز تحميل حكومة تمام سلام كل الأزمات، ولا خيار أمام الرجل سوى تقديم الاستقالة إلى الذات، والمضي في تصريف الأعمال، فما الفائدة إذاً في تقديم هذه الاستقالة؟ إن صيف لبنان حار بل شديد الحرارة سواء كمناخ طبيعي أو كمناخ سياسي، وإذا كان من حق كل طرف أن يقدم مطالعة بفوزه في الانتخابات البلدية فلا يجب التغاضي عن حقيقة أن الأكثرية في هذه الانتخابات لم يمارس أصحابها الانتخاب، إذ قاطعتها، وهذا ما يجب أخذه في الحسبان. على أن الشعار القائم حالياً هو التالي: «أنا أعطل إذن أنا موجود»! أو «أنا استقيل، يعني أنا موجود»، وطبعاً هذا الكلام لا يعني وزيراً بعينه أعلن استقالته في الآونة الأخيرة فحسب، بل هو انطباع عام. وفي «المطلق الحكومي» وحول ما يمارسه الرئيس تمام سلام من جلد للذات، أكثر مما هو نقد للذات، فله الحق في تسجيل بعض النقاط الإيجابية لصالحه، ومن ذلك البقاء والصمود في رئاسة الحكومة والقدرة على ممارسة الحكم قدر المستطاع بهذا الأسلوب المتعارف عليه. وإذا كنا نريد بعض الإنصاف للرئيس سلام وجب القول إن لحكومته بعض الإنجازات التي لا يمكن تجاهلها، فقد أقدمت على إجراء الانتخابات البلدية، ما لم يقدم عليه الكثير من الحكومات. وكان التصور في الأساس عندما كُلّف برئاسة الحكومة أن الأمر لن يتعدى بضعة شهور، لكن الشهور تحولت سنوات، فكانت طريق أطول جلجلة في التاريخ الحكومي للبنان. وحال «تعثر» انتخاب رئيس للجمهورية، وعملاً بالطريقة اللبنانية فان كل موقت دائم، لذا طال الأمر واستطال والرئيس سلام «نزيل» السراي، وقد حدثني عن الكثير من الجراح والمتاعب ولا يزال يصابر ويكابر، «وإن الله مع الصابرين»! كذلك يذهب تمام سلام في التاريخ بوصفه من شكل المرجعية الدستورية الوحيدة على رأس حكومة من أربعة وعشرين وزيراً، وبسبب خلو رئاسة الجمهورية، تحولت الحكومة بصورة تدريجية إلى «مجلس رئاسة». وإذ تحولنا عن الشأن الداخلي إلى الوضع الإقليمي لبدت أمامنا الوقائع السورية في طليعة الأحداث والوقائع، ولأن لما يجري في سورية انعكاسات واضحة على لبنان وجب التنبه لمتابعة ما يجري على هذه الساحة. يوم الأربعاء الفائت استُخدم الخط الهاتفي الساخن بين البيت الأبيض والكرملين، وكان المتكلم الرئيس باراك أوباما الذي دعا إلى المزيد من التنسيق في العمل على الساحة السورية، وأبلغ أوباما بوتين أن الواقع يفرض المحافظة على وقف إطلاق النار قدر المستطاع، ووعد الرئيس الروسي بذلك، وهو يعلم أن زميله الأميركي يعمل على توضيب حقائبه لمغادرته البيت الأبيض مطلع العام المقبل. يدرك الرئيس بوتين نقطة ضعف موقف الرئيس أوباما الذي لا يريد التورط في أي نزاع عسكري جديد في سورية، وأن شعار هذه المرحلة تأمين الأمر الواقع القائم بالحد الأدنى من المواجهات بين مختلف الأطراف، وما اكثرها. وفي الاتصال الهاتفي بين الرئيسين طالب بوتين الرئيس أوباما بضرورة العمل على التخفيف من أعداد الفصائل المعارضة لأن الحرب لا يمكن أن تتم هكذا... ولا يمكن للسلام أن يتم في سورية. والعديد من الدلائل يؤكد وجود «تفاهم ضمني» بين «الجبارين» على عكس ما تعكسه الأخبار عن اختلافات جذرية بينهما. ولا تقنع كثيراً التصريحات «الهدامية» التي يطلقها وزير الخارجية جون كيري من حين لآخر، بخاصة وهو معلن أن «صبره قد اقترب من النفاذ»! هذه هي أصول «لعبة الأمم» في هذه الآونة. وبعد... بدأت في المقال بداية لبنانية محلية، وننتهي لبنانياً- سورياً- عربياً. أولاً: على الصعيد المحلي لا تغطي الأوساط الإقليمية والدولية التعبير عن موقفها من حدوث المزيد من التدهور أو التصعيد الأمني، فيما تؤكد مراجع أخرى أن الوضع اللبناني «ممسوك» بأكثر من حدود واعتبار. ثانياً: ما حصل في «القاع» كارثة إنسانية أودت بحياة بعض شبيبة البلد بحادث غامض. وتؤكد بعض المصادر أن الذين سقطوا ضحية الإرهابيين التفجيريين لم يكونوا المستهدفين بل «صادف وجودهم في الموقع الذي التقى فيه المدافعون عن القاع مع التكفيريين، وكان ما كان». ثالثاً: الواقع الجديد للبنان من حيث أنه سيصبح بلداً منتجاً للنفط والغاز، يطرح السؤال: هل أن لبنان النفطي سيكون بلداً للنقمة أم للنعمة؟ يسجل بعض خبراء النفط بعض الملاحظات على لبنان والتي لن تكون لمصلحته، ومن هذا المنطلق يتخوف البعض من أن يتحول النفط من «نعمة» إلى «نقمة»؟! وهذا فيما يرى خبراء النفط أن لبنان سيصبح دولة إنتاج نفطي خلال سنوات قليلة إذا ما أحسن التعاطي مع شركات التنقيب. وكان الاعتقاد السائد أن زمن المعجزات ولى، لكن «صفقة التفاهم» بين الرئيس بري وجبران باسيل أزالت العقبات التي عطلت العمل تنقيباً عن النفط والذي بات وجوده مؤكداً. وفي تقدير بعض الخبراء أن الواردات المنتظرة تكفي لسد العجز المالي المتراكم في ضريبة الدولة والذي بلغ أرقاماً قياسية (ما يتجاوز الـ70 بليون دولار). وفي السياق المتصل بالعلاقات اللبنانية – السورية وعلى الصعيد العسكري يبدو أن بعض الإنجازات على الصعيدين واللوجستي سجل بعض «الاختراقات النوعية» لجيش النظام المدعوم من روسيا جواً وبراً، ولعناصر المقاومة وأبرزها «حزب الله»، ولوحظ أن المواجهات تركزت حول مدينة حلب وريفها، ولا تزال المعادلة كالتالي: لا جيش النظام والحلفاء تمكنوا من استرداد الأراضي الشاسعة التي تسيطر عليها فصائل المعارضات، وما أكثرها، ولم يتمكن مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» من الإبقاء على سيطرتهم على مواقع محددة سبق لهم أن تواجدوا فيها. وخاطرة تمر في البال مع ختام هذا المقال: هل يمكن أن يقنعنا العالم كله الذي يزعم بأنه يقاتل تنظيم «داعش» أنه جاد فعلاً في القضاء على ظاهرة تنظيم الدولة الإسلامية؟ وانطلاقاً من الوضع القائم حالياً: يحق لتنظيم الدولة الإسلامية الزعم والادعاء بأنه يقاتل «العالم كله»، وأن العالم كله مستنفر للقضاء على ظاهرة «داعش» وهو لم ولن يتمكن من ذلك؟ وأخيراً، لبنان النفطي نعمة أم نقمة؟ الجواب لدى اللبنانيين إذا تفاهموا في ما بينهم ولو لــ»مرة وحيدة»، والعكس سيكون لمصلحة غير اللبنانيين ممن يعمل على استثمار وتوظيف الخلافات في ما بينهم. والأهم والأخطر معرفة نتائج الصفقة «التسووية» التي تم التوصل إليها. * إعلامي لبناني
مشاركة :