باريس - أ ف ب: يقف البرتغالي كريستيانو رونالدو وكراته الذهبية الثلاث بين فرنسا وإحرازها لقبا قاريا ثالثا، عندما يتواجهان اليوم في باريس في نهائي كأس أوروبا 2016 لكرة القدم. تبدو فرنسا مرشحة قوية لاحراز اللقب الثالث بعد 1984 و2000، اذ ترشحها مكاتب المراهنات بأرقام مضاعفة عن البرتغال الباحثة عن أول القابها الكبرى، مع العلم ان الأخيرة خسرت نهائي 2004 بشكل مفاجئ على ارضها امام اليونان (صفر-1)، عندما كان رونالدو في التاسعة عشرة. في نوفمبر الماضي، وخلال مباراة ودية بين فرنسا وألمانيا، شهد ملعب «استاد دو فرانس» في ضاحية سان دوني الباريسية ومناطق اخرى من العاصمة، اعتداءات تبناها تنظيم الدولة الإسلامية اودت بحياة 130 شخصا وأدت إلى سقوط مئات الجرحى. لكن بعد مشوار الفرنسي المشجع في النهائيات، يتوقع ان يتحول الملعب إلى عرس كروي أوروبي، اذ تأمل فرنسا احراز لقبها الكبير الثالث على ارضها بعد كأس أوروبا 1984 وكأس العالم 1998 على الملعب عينه. قال مدرب فرنسا ديدييه ديشان بعد الفوز اللافت على ألمانيا بطلة العالم (2-صفر) في نصف النهائي: «هناك حماسة وسعادة في فرنسا. انها قصة رائعة. لا ندعي ايجاد حلول لكامل الشعب الفرنسي، لكن لدينا القدرة على توليد المشاعر ومساعدتهم على تبديد مخاوفهم». تبحث فرنسا ايضا عن تلميع صورتها بعد سلسلة من المخاضات الكروية العسيرة. نهائي مونديال ألمانيا 2006 الذي خسره الفرنسيون امام ايطاليا بركلات الترجيح في مباراة طرد فيها زيدان بسبب «نطحه» ماركو ماتيراتزي، كان بمثابة نهاية الامجاد بالنسبة لمنتخب «الديوك»، اذ خرج بعدها من الدور الأول لكأس أوروبا 2008 وكأس العالم 2010، ثم من ربع نهائي كأس أوروبا 2012 ومونديال 2014. لكن مع جيل جديد يقوده انطوان غريزمان مهاجم اتلتيكو مدريد الإسباني، تبدلت الامور، وأصبح هجوم فرنسا احدى العلامات الفارقة في البطولة، مع غريزمان وديميتري باييت واوليفييه جيرو والشابين كينغسلي كومان وانطوني مارسيال. كان غريزمان (25 عاما) على ارض الملعب خلال اعتداءات باريس، ونجت شقيقته من موت محتم في الوقت عينه في مسرح باتاكلان، ثم اهدر ركلة جزاء في نهائي دوري ابطال أوروبا ضد ريال مدريد الإسباني، وكانت بدايته بطيئة في المباراة الافتتاحية ضد رومانيا (2-1). لكن «غريزي» فرض نفسه نجما للبطولة بتسجيله ستة اهداف حتى الآن، بينها هدفا الفوز على أيرلندا في ثمن النهائي وعلى ألمانيا في نصف النهائي. اصبح غريزمان أول لاعب يسجل 5 أهداف أو اكثر منذ التشيكي ميلان باروش في نسخة 2004 (5 أهداف)، واللاعب الوحيد الذي يتفوق عليه بعدد الاهداف في نسخة واحدة هو مواطنه بلاتيني (9 عام 1984). على الطرف المقابل، تعول البرتغال بشكل كبير على عملاقها رونالدو. ابن ماديرا، الذي بكى كثيرا بعد نهائي 2004 امام اليونان، يبحث عن تسجيل اسمه بأحرف ذهبية في تاريخ المنتخب البرتغالي، من خلال تحقيق ما عجز عنه كثيرون من كبار منتخب «سيليساو» واخرهم لويس فيغو. انتظر رونالدو (31 عاما و61هدفا في 132 مباراة دولية) اللحظة المناسبة في نصف النهائي ضد ويلز (2-صفر)، ليطلق رصاصة برأسه بعد تحليقه كالنسر فوق الدفاعات البريطانية، فرفع رصيده إلى ثلاثة أهداف بعد ان اصبح أول لاعب يسجل في اربعة نهائيات مختلفة ومعادلا رقم بلاتيني (9 أهداف). يدرك هداف ريال مدريد جيدا انه بعمر الحادية والثلاثين، لن تسنح له فرصة افضل للحصول على أول القابه مع منتخب بلاده. يقول لاعب وسط البرتغال جواو ماريو: «نؤمن جيدا بقدراتنا، لقد منحنا المدرب هذه الثقة وروحية الفريق». أكبر مخاوف البرتغال قبل النهائي، الحالة الصحية لقلب دفاعها بيبي، اذ غاب لاعب ريال مدريد عن نصف النهائي بسبب اصابة عضلية في فخذه. وبحال غيابه عن النهائي، سيكون برونو الفيش جاهزا للحلول بدلا منه، فيما يعود لاعب الوسط الدفاعي وليام كارفاليو من الايقاف. مشواران متناقضان كان مشوار فرنسا حتى النهائي متوازنا، اذ احتاجت إلى هدف رائع من ديميتري باييت، احد ابرز نجوم الدورة، لإنقاذها امام رومانيا افتتاحا (2-1)، ثم هدفين في الوقت الضائع من غريزمان وباييت لتخطي البانيا المتواضعة 2-صفر قبل ان تتعادل مع سويسرا سلبا. وفي ثمن النهائي، عانت متاعب كبرى امام جمهورية أيرلندا فتخلفت بعد دقيقتين بركلة جزاء عوضها غريزمان بثنائية رائعة في الشوط الثاني. وخاض رجال المدرب ديدييه ديشان افضل مباراة جيدة في ربع النهائي، فتقدم الايسلنديون برباعية نظيفة في الشوط الاول، قبل حسمها 5-2 بثنائية لجيرو وأهداف من بول بوغبا وباييت وغريزمان. لكن العلامة الفارقة كانت في نصف النهائي، اذ استفادت فرنسا من مجموعة اصابات لدى ألمانيا، فتقدمت في الشوط الأول بركلة جزاء لغريزمان، قبل ان يضاعف الارقام في الثاني. اما البرتغال فواصلت «زحفها»، فوصولها إلى دور الاربعة للمرة الرابعة في النسخ الخمس الأخيرة والخامسة من اصل سبع مشاركات لم يكن «سلسا» على الاطلاق رغم ان طريقها لم تكن شائكة كثيرا. وصل رونالدو ورفاقه إلى هذه المرحلة من البطولة بعد ان تخطوا الدور الأول بثلاثة تعادلات مخيبة امام ايسلندا (1-1) والنمسا (صفر-صفر) والمجر (3-3)، ثم اصطدموا بكرواتيا في الدور الثاني واحتاجوا إلى هدف من ريكاردو كواريزما في الدقيقة 117 من الوقت الاضافي لكي يخرجوا فائزين في مباراة كان المنافس الطرف الافضل فيها. وحجز برازيليو أوروبا مقعدهم في دور الاربعة عبر ركلات الترجيح بتخطيهم بولندا 5-3 بعد تعادل الطرفين 1-1 في الوقتين الاصلي والاضافي في لقاء كانت الافضلية فيه لروبرت ليفاندوفسكي ورفاقه قبل ان يدخل الشاب ريناتو سانشيز على الخط وينقذ فريق المدرب فرناندو سانتوس. وفي نصف النهائي، اخذ رونالدو الامور على عاتقه فسجل ومرر واختير افضل لاعب في مواجهة ويلز (2-صفر). ديشان المحظوظ لم يذق رونالدو طعم الفوز ضد فرنسا، لكنه ليس الوحيد من بين زملائه، اذ خسرت البرتغال آخر 10 مواجهات ضد خصمها منذ عام 1975, تخطت فرنسا البرتغال مرتين في طريقها لقب إلى كأس أوروبا، فسجل الاسطورتان ميشال بلاتيني وزين الدين زيدان مرتين في الوقت الاضافي لاقصاء الدولة الايبيرية. في نصف نهائي 1984 سجل بلاتيني في الدقيقة 119 لتفوز فرنسا 3-2، وفي نصف نهائي 2000 سجل زيدان من ركلة جزاء جدلية في الدقيقة 117 لتتأهل فرنسا 2-1, كما خرجت فرنسا فائزة ايضا في نصف نهائي كأس العالم 2006 بهدف زيدان قبل خسارتها النهائي امام ايطاليا بركلات الترجيح. ويبحث مدرب فرنسا ديدييه ديشان عن قيادة فرنسا إلى المجد بعد تألقه لاعبا في صفوفها. كان ديشان (47 عاما) أول قائد والوحيد حتى الان لناد فرنسي يحرز دوري ابطال أوروبا (مع مرسيليا عام 1993)، وأول قائد فرنسي يرفع كأس العالم عام 1998 ولا شك انه يريد ان يصبح ايضا أول لاعب ومدرب يرفع الكأس القارية بعد ان توج بها عام 2000, يحظى لاعب مرسيليا ويوفنتوس الايطالي السابق بسمعة الرجل «المحظوظ» في فرنسا، وتعزز ذلك في مباراة الخميس ضد ألمانيا التي سيطرت لفترات طويلة على المواجهة، فهل سيكون قادرا على ترجمة هذه السمعة إلى لقب أول مع فرنسا من مقعد المدرب، أم يعرقله رونالدو ويصنع مجد البرتغال؟
مشاركة :