صحيفة المرصد:نشر موقع جنوبية اللبناني تقريرا حول تناقضات النظام الإيراني بعد توقيع الاتفاق النووي مع أميركا قبل عام وتخلي الجمهورية الايرانية عن شعار الموت لأميركا كتعبير عن حسن النوايا والسرائر اتجاه الشيطان الأكبر، وبدأت بلديات المدن الكبرى بحملة لإزالته من الأماكن العامة ومن التدوال اليومي أيضا. تقول معدة هذا التقرير بادية فاحص:شعار “الموت لأمريكا” ارتبط ارتباطا عضويا بالجمهورية الإسلامية في إيران منذ بدايات تأسيسها، فصار أحد تعريفاتها الثورية، واحتل كل المساحات العامة على طول الجمهورية وعرضها، مكتوبا على جدار، مطبوعا على لافتة، مرفوعا على مدخل مؤسسة عامة أو خاصة، أو هادرا عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، أو مخيما على الأدبيات الثورية بدءا من خطب الجمعة والجماعة والأدعية اليومية والأسبوعية والمناسبات الدينية وصولا إلى الأعياد الوطنية والأغاني الثورية والأعمال الفنية من شعر ورسم ومسرح وسينما. لم يلق شعار ثوري في إيران انتشارا واسعا كما لقي شعار “الموت لأمريكا”، ورثته أجيال الثورة الإسلامية عن مطلقيه، ورددته الحناجر على مدى أربعة عقود من عمر الثورة، بالحماسة نفسها التي بدأ فيها. بعد توقيع الاتفاق النووي، قررت الجمهورية الإسلامية الاستغناء عن هذا الشعار، كتعبير عن حسن النوايا والسرائر اتجاه “الشيطان الأكبر”، وبدأت بلديات المدن الكبرى بحملة لإزالته من الأماكن العامة ومن التدوال اليومي أيضا. بلدية العاصمة كانت أول المتحمسين لكنس الشعار من ذاكرة الشعب الإيراني، استبدلته باقتباس لوحات جدارية عن أعمال فنية تعود لأشهر الرسامين التشكيليين في العالم، مثل روثكو، مونش ورامبرنت، ولصق صور عملاقة لأهم المصورين العالميين، فتحولت جدران طهران من منبر لمعاداة الإمبريالية إلى معرض مفتوح لأرقى نتاجات الفن الإنساني المعاصر. لكن اختفاء الشعار الهادر، الذي أدمن عليه الشعب الإيراني منذ اليوم الأول لاندلاع الثورة الإسلامية، حتى رفع الجلسة الأخيرة من مفاوضات جنيف، أحدث فراغا هائلا في خطاب السلطة، وسبب ضعفا لـ”نبض” الشارع، مفقدا المناسبات الدينية والوطنية والخطابات الإيدولوجية بريقها ووقعها المرجو في نفوس الجماهير. في الشهر الحالي، تحتفل إيران بمرور سنة على توقيع الاتفاق النووي، وضمنا، مرور سنة أيضا على حذف شعار “الموت لأمريكا” من التداول، وقد ارتأت أجهزة السلطة الدينية أن تتضمن الذكرى السنوية لتوقيع الاتفاق عودة ولو سطحية، إلى أدبيات الزمن الثوري الجميل، لسبيين: الأول: انقاذا لشخصيتها الخطابية الحماسية التي تراجع تأثيرها بعد حذف الشعار، والثاني: خوفا من تنامي الإعجاب الشعبي الإيراني بالتجرية المجتمعية الأميركية القائمة على تقديس الحريات والانفتاح وعدم الاستتباع للحاكم الواحد. لذلك، استبدلت السلطة الدينية شعارها السياسي التعبوي الغابر “الموت لأمريكا”، هذه السنة، بحملة إعلانية موجهة تقوم على فضح هشاشة المجتمع الأميركي الكافر والمنحل أخلاقيا. وانتشرت في وسط العاصمة الإيرانية طهران، لوحات إعلانية ضخمة معادية للمجتمع الأميركي وليس لحكومة الولايات المتحدة، كجزء من البرنامج الأسبوعي الذي أطلقة مرشد الجمهورية السيد علي خامنئي وسماه “أسبوع حقوق الإنسان في أميركا”، ودعا إلى إحيائه سنويا في إيران. وبحسب وكالة “رسا” الإخبارية، فقد أعلن یوسف طباطبائي نجاد، ممثل مرشد الجمهورية في مدينة إصفهان أن الأسبوع الممتد ما بين أواخر شهر حزيران حتى بدايات شهر تموز الحالي سمي “أسبوع حقوق الإنسان في أميركا”، وقال في خطبة صلاة الجمعة الماضية: “إن مرشد الجمهورية دعا المسؤولين في هذا الأسبوع، إلى فضح جرائم أميركا الاجتماعية أمام الشعب الإيراني والعالم”، كما أعلن أن “بلدية إصفهان على غرار بلدية طهران، سوف تشارك بالحملة الإعلانية في هذا الشأن، وستقوم بنصب لوحات إعلانية تفضح انتهاكات حقوق البشر في الولايات المتحدة”. وعليه، فإن أسبوع فضح “أمريكا” أخلاقيا، انطلق في الجمهورية الإسلامية، ونشرت اللوحات الإعلانية الضخمة التي تتحدث عن هشاشة المجتمع الأميركي وانتهاكات حقوق الإنسان في الولايات المتحدة، خصوصا النساء والأطفال وغطت سماء المدن الكبرى. إحدى اللوحات المنتشرة في العاصمة تضمنت “هل تعرفون أن في أميركا اثنين من خمسة من المواليد الجدد هما غير شرعيين”، وأخرى “هل تعلمون أنه كل تسع ثوان تقع امرأة أميركية ضحية للعنف الأسري”. وعوض أن تلقى الحملة الإعلانية أصداءها المرجوة لدى الجمهور الإيراني، كما خطط مطلقوها، هبت على مواقع التواصل الاجتماعي عاصفة من السخرية والاستهزاء بما طرحته، وطالب الناشطون الافتراضيون رئيس بلدية طهران بدل صرف أموال الدولة على هذه “الحملة التافهة” أن يجيرها لمعالجة قضايا الإدمان على المخدرات لدى الشباب والفقر والبطالة وعمالة الأطفال وغيرها من الآفات الاجتماعية التي تفتك بالمجتمع الإيراني. ورد الساخرون من الحملة بكتابة أقوال مثل: هل تعرفون أنه في إيران بين اثنين من موظفي المصارف هناك خمسة مدراء يختلسون الأموال ولا يحاكمون؟”، أو “هل تعلمون أن جدول راتب حسن نصر الله أصبح باللغة الفارسية؟”، أو “هل تعلمون أنه لو أن أميركا تسهل للإيرانيين شروط الحصول على الإقامة لا يبقى أحد في إيران؟” وأخيرا “هل تعلمون أنه مر أكثر من ألفي يوم على احتجاز ثلاثة أشخاص”، في إشارة إلى استمرار احتجاز السلطات الأمنية لزعماء حركة المعارضة الخضراء. وقد حذر صحافيون وحقوقيون من أن هذه الحملة الإعلانية ليس هدفها فضح مجتمع الولايات المتحدة كما ساقت الجهات المعنية بها، بل إن هدفها أبعد من ذلك وأخطر، ويتلخص في حرف وعي الشعب الإيراني عن المطالبة بحقوقه المنتهكة، بمقارنة معاناته مع معاناة الشعب الأميركي، الذي يروج أنه يعيش في مجتمع ديمقراطي يقدس الحقوق والحريات.
مشاركة :