على مشارف نهاية شهر رمضان، والمسلمون يستبشرون بقدوم عيد الفطر المبارك، طالت يد الإرهاب الرعناء أعز وأغلى بقاع الأرض عند المسلمين، ليس بعيداً عن قبر سيد الأنام عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. قبل ذلك بساعات كانت نفس اليد الغاشمة للإرهاب تضرب في شرق المملكة (القطيف) وغربها (جدة). توافق زماني ومكاني لا يمكن أن يكون وليد المصادفة أو بعيداً عن تخطيط يتجاوز من قام بهذا العمل المشين الجبان، وكذا الخلايا التي خططت له ونفذته. من الخطأ الاستراتيجي النظر إلى تلك الهجمات، من خلال أبعادها السياسية والإعلامية الظرفية القريبة. من المؤكد أن من قام بتلك العمليات الإرهابية، إنما هم دُمىً سُلبت منهم إرادتهم قبل أن يُنتزع منهم ضميرهم ويخرجون عن دينهم. حتى الخلايا القريبة من منفذي تلك العمليات الإرهابية الجبانة، ليسوا ببعيد عن الحالة النفسية والوجدانية المضطربة عند منفذي تلك الاعتداءات الآثمة. كما أن وراء الإرهاب فكرٌ ضال وعقيدةٌ فاسدة، وراءه أيضاً: فعاليات شريرة تتجاوز ظروف مواقع وجغرافية العمليات الإرهابية، من هذا النوع الخطير. هناك أجهزة استخبارات قوىً إقليمية ودولية كبرى، لا تخفي عداءها للإسلام، والمملكة على وجه الخصوص، في ما أسرّت وأعلنت من أهداف سياستها الخارجية. الإرهاب وإن يدخل من ثغرات الفكر الضال والعقيدة الفاسدة، ليتسلل إلى عقول وضمائر الجهلة والبسطاء من الناس، إلا أن الإرهاب، هذه الأيام، يعد صناعة مكلفة تحتاج لموارد مادية وسياسية ضخمة، خدمة لأهداف استراتيجية تتجاوز ما قد يظهر على أنه صراع داخلي بين قوى محلية على السلطة، إلى كونه غحدى أدوات السياسة الخارجية لفعاليات إقليمية ودولية، لتنفيذ أجندات وتسوية ثأرات تاريخية، فشلت المحاولات التقليدية في إنجازها. لا يمكن بأي حال من الأحوال عزل العمليات الإرهابية، التي تستهدف أمن بلادنا، عن ما يدور في الإقليم من توترات عنيفة غير مستقرة تعصف بالمنطقة، بصورة غير تقليدية. هناك حربٌ دائرة على حدودنا الجنوبية.. وهناك بؤرٌ مصطنعة للتوتر على تخوم حدودنا الشرقية.. وهناك تدخلٌ دولي وإقليمي سافر على مشارف تخوم حدودنا الشمالية. للنظر لمثيري عوامل عدم الاستقرار في المنطقة المستفيدين من حالة الفوضى العنيفة التي تعصف بها، علينا التعرف على رعاة الإرهاب الرئيسين، الذين يستهدفون أمن بلادنا ولا يتورعون عن النيل من مقدساتنا، من أجل تحقيق أهداف استراتيجة تتجاوز الأبعاد السياسية والإعلامية القريبة للعمليات الإرهابية، إلى أبعد من ذلك... إلى النيل من أمن واستقرار المنطقة، التي تعتبر المملكة إحدى ركائزه الأساسية. لنسمي الأشياء بمسمياتها الحقيقية، فالأمور لا تحتمل غموض الدبلوماسية واعتبارات السياسة الغامضة. إيران الملالي لا تخفي عداءها للعرب السنة، استدعاء لثأرات تاريخية، لم يقو الفرس منذ خلافة عمر بن الخطاب الراشدة على نسيانها. التاريخ منذ ذلك الحين يسجل لهذا الحقد المستشري في ضمير الفرس، الذين فشلوا في بلوغ الإيمان الحق بالإسلام، ليعملوا على الكيد للإسلام والمسلمين من خلال اعتناق عقيدة فاسدة، هي أقرب للزارادشتية المجوسية منها للدين الحنيف. حتى عندما مرت إيران بفترة قصيرة من العلمانية في عهد أسرة بهلوي، لم يتخل الفرس عن عنصريتهم البغيضة، بمحاولة فرض الهيمنة الإقليمية على المنطقة، بدعوى ملء الفراغ الذي شغر برحيل الاستعمار عنها. وفي كلتا الحالتين (الأيدلوجية الدينية لعهد الملالي، وقبله الدولة الصفوية.. والمرحلة العلمانية القصيرة نسبياً لحكم آل بهلوي)، كانت مشاريع الفرس التوسعية ليست بعيدة عن مخططات وتدابير ومكائد ومؤامرات قوى الاستعمار والإمبريالية العالمية، بنماذجها وفعالياتها وأطرافها وأقطابها، التقليدية منها والحديثة. من هنا فإن ما يظهر من عناوين في عالم الإرهاب اليوم لتنظيمات إرهابية، جميعها (للغرابة)، تحمل مسميات عربية سنية، إنما هي - في حقيقة الأمر - صنيعة إيرانية في الأساس، تخدم أجندات فارسية عنصرية، تدعمها مخططات لقوىً كونية، شرقية وغربية، في آن. ليس الحرب التي يخوضها الروس جنباً إلى جنب مع إيران في سوريا، ولا تلك التي يشنها الشيعة في العراق ضد العرب السنة، بمعونة ومساندة غربية، إلا تعبيراً صارخاً لهذا الحلف الإيراني الاستعماري، لرسم خريطة جديدة للمنطقة، تُتَوج على رأسها إيران وإسرائيل معاً، على حساب أمن ومصالح العرب السنة، الذين يشكلون أكثر من ٩٥% من سكان العالم العربي الممتد من الخليج العربي، شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً.. ومن جبال الأناضول وسواحل البحر المتوسط الجنوبية شمالاً، إلى بحر العرب وجنوب الصحراء الأفريقية امتداداً لعمق شرق أفريقيا جنوباً. أما وقد وصلت يد الإرهاب الرعناء إلى تجاوز خطوط الاشتباك التقليدية لتصل إلى العمق الجغرافي للمقدسات، كما حدث في المدينة المنورة، فإن دون ذلك خرط القتاد. هذا دليل إلى أن تلك القوى الإقليمية والدولية الراعية الرئيسة للإرهاب قد وصلت إلى مرحلة من اليأس تقترب من هاوية الانتحار، والوقت قد حان للإنجاز عليها، مرة أخيرة وللأبد. عمل يائس جبان، كالذي حدث في المدينة المنورة، يعكس مرحلة تصعيدية جديدة أراد بها رعاة الإرهاب الحقيقيون في إيران وروسيا والغرب، اختبار قواعد اشتباك جديدة، في حركة تصعيدية يائسة وأخيرة، لعل وعسى. ما أحدثوه في المدينة المنورة، في رمضان وعشية عيد الفطر، من المحتمل أن يتكرر في موسم الحج. ليس محاولة إيران منع الحجاج الإيرانيين من أداء شعائر حج هذا العام، إلا مقدمة لعمل خطير يخططون له بواسطة أذناب لهم، في المنطقة وحول العالم. بينما هم يختبئون وراء قناع عدم حضور حجيجهم لأداء فريضة الحج. الإرهاب لن يُقضى عليه، إلا بقطع رأس الأفعى المختبئة في أقبية قُمْ المعتمة بضلالها وفساد عقيدتها.
مشاركة :