قال لي صديق إنه يحتفظ ببنطلون جينز قديم ورثّ ليذكرهُ بأيام عمله في الحفريات بأرامكو. ورأتهُ ابنتهُ وطلبت منه أن يعيرها إياه، لتلبسهُ ولو لمدة تتباهى به أمام الصديقات لأنه أصبح موضة العصر. وروّج الشباب الأميركي لتلك الصرعة، وشاع ارتداء ذلك البنطلون في الجامعات وقاعات الدرس. أليزابيث نيوتن، طالبة أميركية في روسيا ضمن برامج التبادل الثقافي. وعند وصولها إلى الفصل الدراسي كرر زملاؤها وزميلاتها الأسئلة عن نوع الفانلّة التي ترتديها. دققت الفتاة لاحقاً فوجدت أنها ترتدي فانلّة صوفية عادية، ليس بها ما يُثير سوى أنها كانت ترتديها مقلوبة. ربما أنها لم تفطن لذلك في حينه. في اليوم التالي جاءت زميلات الفصل يرتدين فانلاتهن مقلوبة، وسموها الطريقة الأميركية (ذي أميريكان وي) وخشونة اللباس أو رثاثتهُ أو قلبه رأساً على عقب جاء إلى الشرق عن طريق أفلام الغرب الأميركي (الويسترن) - الكاو بويز، التي زحفت إلى منطقتنا وأغرقتهُ في الخمسينيات الميلادية من القرن الماضي جون وين، ريتشارد ويدمارك، غاري كوبر إلى آخر القائمة الطويلة. وقبلها الناس آنذاك على أنها موضة الخشونة وسحر الرجولة (إيقاد النار في العراء وشرب القهوة بآنية بدائية). ولبُعد منطقة جزيرة العرب عن هذا التيار الملابسي وتلك الخشونة المقلدة، لم تصلنا سراويل (الجينز) إلا في وقت متأخّر واستعملها الفتيان والفتيات في لقاءاتهم الاجتماعية بسويسرا أو في الهايدبارك في لندن، في مراتع المدنية المعاصرة وهم وهنّ يقضمن ساندويتش الجبن الفرنسي والهامبرغر وليس طعام الكاوبويز وهم الذين جاءوا لنا بتلك الموضة.. إذا كانت دلائل خشونة وأصبحت الآن دليل ترف وثراء وعصرنة. إحدى المجلات عندنا قبل مدة سألت شاباً عصرياً جداً عن أصعب موقف واجههُ فقال: أصعب وأتعس موقف واجهتهُ كان عندما تعطّل مكيف سيارتي وأنا في طريقي من مدينة إلى أخرى داخل السعودية. تصوّروا! كنا عازمين على شرب الثقافة الأميركية. فلماذا لم نتقبل (بعض) خشونتهم كما فعلوا هم كرعاة بقر؟ binthekair@gmail.com
مشاركة :