هل سايكس ـ بيكو هي التي قسمت الدول العربية؟

  • 7/13/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

مرت الذكرى المئوية لتوقيع اتفاقية "سايكس ـ بيكو" في مايو الماضي، وكأنها لم تكن شيئاً، بعد أن كانت تعقد لها المؤتمرات والندوات والبرامج التلفزيونية والتغطيات الصحفية. وفي كل مرة يدور لغط كبير حول تفاصيل هذه الاتفاقية، وما لحقها من اتفاقيات، إلا أن الغموض يكتنفها دوماً، وهذا حال المؤامرات الدولية، ليس على بلاد المسلمين فقط، بل على العالم أجمع. وقد اطلعت على مقال كتبه د.بشير موسى نافع (الباحث في التاريخ الحديث) حول هذه الاتفاقية وما حواليها، وللفائدة العامة اقتبست منه هذا الملخص. أولاً: أن "سايكس ـ بيكو" لم تكن اتفاقية لتقسيم الدول العربية، فلم تكن آنذاك دولا عربية، بل هي اتفاقية لتقسيم البلاد (أو الخلافة) العثمانية، ذات أغلبية الولايات العربية، وذلك بعد فقد العديد من الولايات الأوربية والآسيوية. ولم تكن "سايكس ـ بيكو" الاتفاقية الوحيدة بين دول "الوفاق"، خلال الحرب العالمية الأولى، لتقسيم البلاد العثمانية، ولكنها الاتفاقية الأبرز. ففي مارس 1915م، توافقت بريطانيا وفرنسا وروسيا، في العاصمة الروسية "بتروغراد" (سان بطرسبيرغ سابقاً)، على منح روسيا القيصرية ممر المضائق العثمانية وما يجاورها من أراض، بما في ذلك اسطنبول. ثانياً: استمرت مباحثات البريطاني مارك سايكس، والفرنسي فرانسوا جورج بيكو، وانتهت إلى صيغة اتفاق في 3 يناير 1916م، وتم التوقيع في 16 مايو. وتضمنت الاتفاقية تقسيم ما يعرف اليوم بالمشرق العربي وجنوب تركيا، إلى مناطق إدارة مباشرة فرنسية أو بريطانية، ومناطق نفوذ بين الدولتين، على أن تكون منطقة "القدس" وجوارها دولية. وفي منتصف عام 1917م، وافقت فرنسا وبريطانيا في منتجع "سان جان دي مورين"، على منح إيطاليا جنوب غرب الأناضول (أنطاليا). وبذلك، وضعت الاتفاقيات الثلاث تصوراً للسلطنة العثمانية، يحصر الاستقلال العربي بمنطقة الجزيرة العربية، والاستقلال التركي بقلب الأناضول، وباقي البلاد العثمانية الأخرى، تقسم بين روسيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا. ثالثاً: لم يكن للحركة الصهيونية دورا مباشرا أو غير مباشر في "سايكس ـ بيكو"، أو في مجمل اتفاقيات تقسيم ممتلكات الخلافة. كان تقسيم المشرق مشروعاً إمبريالياً بحتاً، ولد من تضارب مصالح دول الوفاق الأربع، ومحاولتها حل هذا التضارب بالطرق التفاوضية. كان دخول الصهاينة إلى الصورة بعد انتهاء المفاوضات بين سايكس وبيكو، والتوصل إلى الاتفاق، وقد جاء هذا الدخول بإرادة بريطانية، وليس لمهارة ونفوذ الصهاينة، بما في ذلك د.وايزمان، مسؤول المنظمة الصهيونية - الصغيرة آنذاك - في بريطانيا. كان رد فعل معظم دوائر الحكومة البريطانية على مسودة اتفاقية سايكس ـ بيكو سلبية، وعبر عدد من المسؤولين البريطانيين عن قناعتهم بأن الاتفاقية أعطت فرنسا أكثر مما تستحق. وبموافقة وزير الخارجية غراي، ورئيس الحكومة أسكويث، واصل سايكس ما يشبه المفاوضات مع قادة الحركة الصهوينة، وعمل على تقديمهم للفرنسيين والإيطاليين، كما فتح لهم أبواب الفاتيكان. وأصبح هدف سايكس والحكومة البريطانية وضع الحركة الصهيونية كرقم على طاولة بحث مستقبل المشرق، تمهيداً للتحلل من شروط الاتفاقية مع الفرنسيين، وفتح الباب لإعادة التفاوض حول حدود ومصالح الدولتين. رابعاً: كان لتطورات الحرب والوقائع على الأرض، دور رئيس في إلغاء اتفاقيات سنوات الحرب الثلاث معاً، وإجبار كافة الأطراف على التفاوض من جديد. وفي ما تبقى من الدولة العثمانية، وبالرغم من سيطرة "دول الوفاق" على اسطنبول وأجزاء واسعة من جنوب الأناضول وجنوبها الغربي، وسيطرة اليونان على إزمير وجوارها، اندلعت حرب استقلال كبرى عام 1919م (حرب استقلال عثمانية، وليس تركية، كما يقول التاريخ التركي الرسمي للجمهورية، لأن تركيا لم تكن قد وجدت بعد). في بريطانيا، التي تحملت كل أعباء الحرب في المشرق، أصر رئيس الحكومة الجديد، لويد جورج، الذي تولى الحكم بداية 1917م، على أن سايكس ـ بيكو لن تنفذ كما هي. وفي روسيا، اندلعت ثورة شيوعية في أكتوبر 1917م، وضعت نهاية لحكم القياصرة، وأدت إلى تخلي البلاشفة عن الاتفاقيات مع بريطانيا وفرنسا. خامساً: خارطة الدول العربية كما نعرفها اليوم، كان نتاج اتفاقية "سان ريمو" في ابريل 1920م. أما تركيا الحالية، فقد فرضت عليها معاهدة "سيفر"، في أغسطس 1920م، التي تضمنت تطبيق نتائج سان ريمو على ما تبقى من الدولة العثمانية. ولكن حكومة المجلس الوطني الكبير في أنقرة، التي كانت تقود حرب الاستقلال، رفضت الاتفاقية. وبعد انتصار قوات حرب الاستقلال في إزمير في صيف 1922م، أُجبرت دول الوفاق على التفاوض مع أنقرة، وتوصلت إلى اتفاق "لوزان" في يوليو 1923م. لكن الاتفاق لم يحل مسألتي الموصل والإسكندرون، التي كانت احتلت كلا منها قوات بريطانية وفرنسية بعد توقيع "هدنة مدروس" في اكتوبر 1918م. وقد حُلت مسألة "الموصل" في منتصف العشرينات باستفتاء، انتهى إلى بقائها ضمن العراق الجديد. وحُلت مسألة "الإسكندرون" بإجبار الفرنسيين على الانسحاب في 1938م. أما حدود تركيا الجديدة مع روسيا البلشفية، فقد رسمت في معاهدة "بريست ـ ليتوفسك" مع حكومة اسطنبول في مارس 1918م، ثم في معاهدة "موسكو" مع حكومة أنقرة في ابريل 1920م. وطبقاً للاتفاقيتين، استعادت تركيا أغري وقارس وأردخان، التي كانت روسيا القيصرية احتلتها في الحرب الروسية ـ العثمانية في 1877-1878م. ومن ثم فإننا نستنتج أموراً منها: • لم تكن إرادة الدول الكبرى حتمية، بل هي متغيرة حسب الظروف السياسية والعسكرية، وهي كذلك اليوم. • خروج روسيا وفرنسا وبريطانيا من الحروب منهكة، وغير قادرة على خوض حروب جديدة، غيَّر استراتيجيتها ومنهجيتها. • استثمرت الحركة الصهيونية في بريطانيا الضعف الأوربي؛ للدخول على خط الاتفاقيات واختراقها، وتوجيه مصالحها من خلالها. ختاماً.. أعتقد أننا ما زلنا بحاجة لمزيد من البحث في المعلومات، لا للترف السياسي، بل لمعرفة أين كنّا، وأين نحن الآن، وكيف سيكون مستقبلنا. د.عصام عبداللطيف الفليج

مشاركة :