بعد رحلة استغرقت 5 أعوام قطعت خلالها مليارين و700 مليون كم، وصلت المركبة الأمريكية غير المأهولة جونو البالغ وزنها ثلاثة أطنان و600 كغم مؤخراً إلى مدار المشتري أكبر كواكب المجموعة الشمسية، في مهمة ترمي إلى كشف أسرار هذا الكوكب العملاق، وإتاحة الفرصة للحصول على مشاهد جديدة تظهر السحب الملتفة، باستخدام الكاميرا الملونة المعروفة باسم جونو كام. وبخلاف البعثات الفضائية السابقة، لن يتمكن العلماء المختصون من إنتاج المشاهد المعدلة أو حتى اختيار الصور التي ينبغي التقاطها وعوضاً عن ذلك، سيشكل الأشخاص العاديون فريق تصوير افتراضياً، إذ يسهمون في جميع الخطوات الرئيسية الخاصة بمعالجة الصور، بدءاً من تحديد المعالم المثيرة للاهتمام، وانتهاء بمشاركة الصور النهائية على شبكة الإنترنت. يقول سكوت بوتون، الباحث الرئيسي في بعثة جونو في المعهد الجنوبي الغربي للأبحاث: إنها حقاً كاميرا العامة، ونأمل أن ينضم الطلاب والصفوف الدراسية بأكملها إلى فريقنا. وتدرس جونو تفاصيل كوكب المشتري، لإعطاء العلماء فكرة أفضل حول طقس هذا الكوكب الغازي الضخم وبيئته المغناطيسية وتاريخ تشكله. وفي حال نجاحها، سوف تكون مهمة جونو هي ثاني مهمة طويلة الأمد تستهدف كوكب المشتري بعد المركبة الفضائية غاليليو التي أطلقت في الأعوام من 1990 وحتى 2000. ومن المقرر أن تستغرق مهمة جونو فترة أقصر بكثير، إذ من المخطط أن تتحطم على كوكب المشتري في فبراير/شباط عام 2018. بدأ فريق بعثة جونو المرحلة الأولى الخاصة بـجونو كام من خلال إطلاق منصة ويب على الموقع الإلكتروني للبعثة. وهواة الفلك مدعوون خلال الفترة الحالية أو أثناء فترة البعثة إلى تسليم صور كوكب المشتري التي التقطوها بواسطة تلسكوباتهم. وستكون هذه المشاهد منطلقاً لمجموعة من النقاشات التي ستجرى عبر الشبكة العنكبوتية. وستتمحور تلك الحوارات حول اختيار أي من دوامات المشتري، أو الأشرطة أو البقع الموجودة على سطحه ليتم تصويرها بواسطة جونو كام أثناء عبور المركبة بشكل متكرر وقريب من الكوكب. وفي هذا الصدد، ستلعب مشاهد التلسكوبات الأرضية دوراً جوهرياً في تحديد وتتبع التغيرات الحاصلة في معالم سحب الكوكب عــند اقتراب المركـــبة من الكــوكب. وتقول كاندي هانسن، وهي إحدى عضوات فريق التخطيط العلمي لبعثة جونو ورئيسة عمليات التخطيط للكاميرا: ستبتعد المركبة جونو عن المشتري خلال عمليات التحليق التي ستجريها، وبالتالي سيتقلص الكوكب في مجال الرؤية الخاص بجونو كام ليصبح صغيراً جداً، وغير مفيد لاختيار المعالم التي يجب التقاطها. ولذلك فإننا نعتمد على المساعدة التي سيقدمها الراصدون الموجودون على سطح الأرض. وستقترب المركبة جونو من المشتري بشكل يفوق أي مركبة مدارية سابقة، ما سيمنح جونو كام فرصة لالتقاط أفضل المشاهد المقربة التي ستظهر أشرطة السحب الملونة الخاصة بالكوكب. ومن المقرر أيضاً أن تتحرك المركبة الدوارة والعاملة بالطاقة الشمسية كل 14 يوماً لعدة ساعات بعيداً عن المشتري، وذلك من أجل مجموعة كبيرة من البيانات العلمية، إضافة إلى عشرات الصور التي ستلتقطها جونو كام، من مسافة تقدر بنحو 5000 كم فوق سحب المشتري. وتقول ديان براون مديرة برنامج جونو في مقر وكالة ناسا: لا يقتصر الأمر على الصور الملونة عالية الدقة التي ستلتقطها جونو كام لأشرطة المشتري، بل سنحظى أيضًا بمتعة رؤية أولى المشاهد لقطبي الكوكب اللذين لم يتم تصويرهما من قبل، وعلى النقيض من معظم الكاميرات الموجودة على متن المركبات الفضائية، فقد صممت جونو كام خصيصاً كي تعمل على متن مركبة فضائية دوارة إذ يترتب على المركبات الفضائية في العادة أن تتجه بدقة متناهية نحو الهدف المراد تصويره، وذلك منعاً لتشوه الصور، ولكن نظراً لأن المركبة جونو تدور مرتين في الدقيقة الواحدة، فقد صمم فريق البعثة كاميرا تستطيع تصوير عدة خطوط (بيكسل) في كل مرة، وعند السرعة المناسبة، وذلك لإلغاء تأثير الدوران وتجنب تشوه الصور. وكانت أفضل صور كوكب المشتري هي تلك التي التقطتها مركبتا فوياجر أثناء تحليقهما بالقرب من الكوكب سنة 1979. وسيكون مجال الرؤية الخاص بجونو كام أعرض بكثير من كاميرات بعثة فوياجر ذوات الزوايا الضيقة. ويعني هذا الأمر أن كل صورة تلتقطها جونو كام ستكون أشبه بمنظر شامل، كما أن الصور عالية الدقة ستظهر صفوفاً عريضة من السحب. وبالتالي يمكن القول إن جونو كام هي حصيلة عدة عقود من الإنجازات التقنية، والتي أسهمت في جعلها أقل وزناً، وأقل استهلاكاً للطاقة وأقل تكلفة أيضاً. وبعد وصول بيانات بعثة جونو كام إلى الأرض، سيعالج أعضاء من العامة الصور للحصول على لقطات ملونة. واختبر فريق جونو بنجاح مدى نجاح هذا المنهج عند التقاط جونو كام لأولى صورها عالية الدقة، والتي تظهر كوكبنا أثناء تحليق المركبة فوقه في أكتوبر/تشرين الأول سنة 2013. وكان الهدف المقصود منذ المراحل الأولى للبعثة أن تكون جونو كام أداة لتوعية العامة، وذلك بخلاف الأدوات الأخرى التي تخدم الهدف العلمي الأساسي للبعثة. وسيضمن علماء بعثة جونو أن ترسل الكاميرا بعض المشاهد الجميلة للمناطق القطبية للمشتري، إلّا أن العامة سيختارون الغالبية العظمى من الصور، كما سيعالجون البيانات بأنفسهم. وكانت شركة Radical Media صممت الموقع الإلكتروني الخاص ببعثة جونو منذ سنة 2011، وتم تطوير الموقع وتحديثه ليشمل المعالم الجديدة، إضافة طبعاً إلى قسم تفاعلي خاص بجونو كـــام. وتستخدم بعثة جونو التي انطلقت في سنة 2011، جميع التقنيات المعروفة من أجل البحث عما يوجد أسفل السحب الغامضة التي تغطي كوكب المشتري، وذلك بهدف معرفة المزيد عن منشأ الكواكب وبنيتها وغلافها الجوي والمغناطيسي. ويتولى مختبر الدفع النفاث ومقره باسادينا في كاليفورنيا إدارة البعثة لصالح الباحث الرئيسي سكوت بوتون من المعهد الجنوبي الغربي للأبحاث في سان أنطونيو. وتعد بعثة جونو جزءاً من برنامج (New Frontiers) الذي يديره مركز مارشال لرحلات الفضاء ومقره هانتيفيل في ألاباما. وقامـــــــت شركــــة لوكهـــيد مــــارتن لأنظمــــة الفضــــاء ومقــــرها دنفـــــر بتصمـــــيم المركـــبة الفضـــائيـــة. وحسب محمد طلافحة من مرصد الشارقة التابع لمركز الشارقة لعلوم الفضاء والفلك، تعد جونو أحد المسابر الثلاثة الجديدة التي تعمل ناسا على تشغيلها أو بنائها ضمن مشروع الآفاق الجـــــديــــدة (New Frontiers) وهـــمـــــا المسباران: نيوهورايزونز الذي حلّق حول بلوتو في عام 2015، وأوسايرس- ركس الذي من المتوقع أن يطير إلى الكويكب بينو 101955 في عام 2020 لجمع عينة ثم يعود إلى الأرض. وأطلقت ناسا مشروع الآفاق الجديدة في عام 2003 كبرنامج للمهمات المتوسطة التي تبلغ تكاليف تطويرها وتشغيلها مليار دولار لكل بعثة. ومن المتوقع أن يبدأ اختيار المهمة الرابعة في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2017 على أن تنطلق في العام 2024. وحدّد المجلس الوطني للبحوث مسبار المشتري كأولوية للأبحاث العلمية في دراسته العقدية للعام 2003، التي تسمى بـ آفاق جديدة في النظام الشمسي.. استراتيجية الاستكشاف المتكاملة، ومن بين الأسئلة التي طُرحت في ذلك الوقت هل لدى المشتري نواة مركزية، وهو ما سيساعد على توضيح كيفية تشكل الكوكب؟ ما هي كمية المياه في غلافه الجوي، وهو ما سيساعد الباحثين على فهم كيفية تكون الكواكب الكبيرة؟ كيف يمكن لأنظمة الطقس في الكواكب الضخمة أن تظل مستقرة جداً؟ ما هي طبيعة الحقل المغناطيسي والبلازما المحيطة بالمشتري؟ ووقع الاختيار على جونو في عام 2005، وكان من المتوقع أصلاً إطلاقه في يونيو/حزيران 2009، لكنه تأجل حتى أغسطس/آب 2011 بسبب قيود الميزانية في ناسا. وكتب ريك غراميير مدير مشروع جونو في تدوينة عام 2008: يعتبر تغيير الجدول الزمني تحدياً لفريق عمل جونو. وسيضيف التضخم من التكلفة، وكذلك ستزيد النفقات الفردية والإدارية لأن المشروع سيأخذ وقتاً أطول من المتوقع، حتى لو تطلب الأمر تجميد حجم فريق العمل عند مستوى منخفض خلال السنوات الأولى. وأضاف غراميير: هناك تحدٍّ آخر، وهو معرفة كيفية الحفاظ على إرث التصاميم لدينا والإبقاء على الموظفين الماهرين، والاستفادة القصوى من خبراتهم خلال المراحل المبكرة من المشروع والتي تمدَّدت بشكل مفاجئ. رقم قياسي أُطلقت جونو من قاعدة كيب كانافيرال للقوات الجوية في 5 أغسطس/آب 2011. وفي الوقت الذي سبق لثماني مركبات فضائية أخرى بالمرور بجوار كوكب المشتري في العقود الماضية، إلا أن ما يجعل جونو تتميز عنها هي قدرتها على توليد الطاقة الشمسية، فالمركبات الفضائية الأخرى تعتمد على الطاقة النووية، لكن احتياطات توليد البلوتونيوم تضاءلت في ناسا في العقود الأخيرة. وذكرت ناسا أن جونو حطمت رقماً قياسياً جديداً في قطع المسافة باستخدام الطاقة الشمسية لجميع المركبات الفضائية وأصبح من الممكن الاستفادة من الطاقة عليها بسبب تحسن أداء الخلايا الشمسية، والأدوات ذات الكفاءة من ناحية الطاقة والمركبة الفضائية. وصممت المهمة كي تتمكن من تجنب ظل المشتري، وتدور بمدار قطبي يمكِّنها من التقليل من الإشعاع الكلي. يشار إلى أن الرقم القياسي السابق تحمله بعثة روزيتا، التي وصلت إلى المذنب 67P/ تشوريوموف-جيراسيمنكو - وراء مدار المريخ - في عام 2014. وقبل التوجه نحو كوكب المشتري، حصلت جونو على سرعة إضافية بلغت أكثر من 3.9 كم في الثانية، وذلك عندما مرت بالقرب من الأرض في 9 أكتوبر 2013. حيث التقطت المركبة الفضائية صوراً لكوكبنا، واستمعت إلى إشارات لاسلكية للهواة كجزء من جهود التواصل مع مشغلي الإذاعة الهواة. وفي فبراير/شباط الماضي، قامت جونو بعمل مناورة طيران لوضعها على مسار الوصول للكوكب الغازي الضخم يوم 4 يوليو/حزيران الماضي.
مشاركة :