تجددت الاشتباكات أمس، في جوبا عاصمة جنوب السودان في شكل أعنف من الأسبوع الماضي، فيما بدأت سفارات غربية بنقل ديبلوماسيها وتخطط الخرطوم لإجلاء رعاياها من هناك. وتوسعت المواجهات وامتدت إلى مدينة توريت في أقصى الجنوب الشرقي للبلاد، وأفاد سكان في جوبا بأن معارك بالأسلحة الثقيلة اندلعت أمس، بين قوات الرئيس سلفاكير ميارديت والمتمردين السابقين بزعامة نائبه رياك مشار، وانتشرت دبابات ومروحيات قتالية وسمع دوي مدافع في أنحاء مختلفة من المدينة. وتركزت الاشتباكات حول مطار جوبا وفي حي الجبل حيث توجد قاعدة لقوات مشار القريبة من معسكرٍ للأمم المتحدة لجأ إليه آلاف المدنيين الذين شردتهم الحرب الأهلية. وشوهدت مروحيتان تقصفان قاعدة مشار العسكرية ومقر اقامته الذي دُمِّر جزئياً أول من أمس، كما سُمعت انفجارات قوية يعتقد بأنها ناجمة عن قصف بمدفعية الدبابات، في حي تونغبنغ وسط المدينة. وظلت المحال التجارية مغلقة لليوم الثالث، فيما احتمى سكان جوبا في منازلهم بسبب حدة الاشتباكات، ولازم العاملون في هيئات الإغاثة الملاجئ. وأكدت مصادر من المعارضة اندلاع معارك عنيفة في مدينة توريت، عاصمة ولاية شرق الاستوائية، جنوب شرقي جوبا في اتجاه الحدود الكينية. وقال مشار، إن طائرات هيلكوبتر تابعة لسلفاكير هاجمت أنصاره، ما يظهر أن الرئيس لا يرغب في السلام، مؤكداً أنه بخير ولم يفقد الأمل في المستقبل. وكتب مشار على حسابه الرسمي على «تويتر»: «أدعو للهدوء وضبط النفس في هذه المناوشات. أنا بخير. يجب ألا يطبق أحد القانون بيديه لزعزعة استقرار هذا البلد»، وأضاف أن جنوب السودان «يحتاجنا جميعاً». في المقابل، قال وزير الإعلام مايكل مكواي إن «القوات المعارضة هي مَن تقوم بالاستفزاز ومهاجمة قوات الحكومة، التي تدافع عن نفسها»، قبل أن يرد على اتهامات المعارضة للحكومة بالمبادرة إلى الهجوم، متسائلاً: «إذا كنا نحن مَن نهاجم، هل سيكونون موجودين في جوبا حتى الآن، خصوصاً أننا نملك إمكانات القتال مقارنةً بهم؟». غير أن الوزير أكد حرص الحكومة على عدم العودة للحرب، مشيراً إلى أن سلفاكير على استعداد للقاء مشار وتنتظر الحكومة رداً من الأخير في شأن المشاركة في الاجتماع، بهدف نزع فتيل الأزمة. وشدد مكواي على سيطرة الرئيس على قوات الجيش الشعبي، معتبراً أن ما يتداول في شأن خروجها عن السيطرة «غير صحيح». وتحفظت المعارضة المسلحة عن الرد على اتهامات الحكومة في شأن بدء الهجوم، إذ اعتذر الناطق الرسمي باسمها، وليام ازيكيل، عن الجواب، مشيراً إلى إحجامهم عن أية تصريحات في الوقت الحالي، غير أنه أكد تمسكهم بالسلام، بدليل وجود مشار في جوبا، لافتاً إلى أنهم جزء من الحكومة الانتقالية. وعلى رغم محاولات كل من سلفاكير ومشار لتهدئة الوضع وإعلان التمسك بالاتفاق، إلا أن مراقبون يؤكدون أن الدولة الوليدة انزلقت نحو مربع الحرب من جديد مع تواصل القتال في شكل يومي منذ يوم الجمعة الماضي، واستخدام الآليات الثقيلة والطائرات العسكرية في القتال، فضلاً عن الاتهامات المتبادلة ببدء الهجوم. ويرى مراقبون أن الوضع يؤكد أن الواقع الميداني يتجاوز سلفاكير ومشار، إذ تشير التطورات إلى فقدهما السيطرة على قواتهما في شكل كامل، بدليل استمرار القتال رغم التوجيهات الصريحة التي أطلقاها، والتي تدعو إلى التهدئة ووقف القتال. في غضون ذلك، بدأت في العاصمة الكينية نيروبي أمس، اجتماعات وزراء خارجية الهيئة الحكومية للتنمية في دول شرق أفريقيا «إيغاد» التي ترعى اتفاق السلام لبحث أزم جنوب السودان. وطلب مجلس الأمن في نيويورك من الدول المجاورة لجنوب السودان، إثر اجتماعه الطارئ الذي عُقد فجر أمس، المساعدة في وقف القتال الدائر في هذا البلد، ودعا كلاً من سلفاكير، ومشار إلى وضع حد للاشتباكات والمواجهات في بلدهما، وكذلك زيادة مساهمتها في قوات حفظ السلام الدولية. وقال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في بيان: «أشعر بإحباط شديد جراء استئناف القتال رغم التعهدات التي قدمها قادة جنوب السودان». وأفاد مسؤول دولي عن مقتل جندي صيني ثانٍ من قوة الأمم المتحدة لحفظ السلام في الهجمات الأخيرة. وطالبت الولايات المتحدة بوقف فوري للمعارك، وأمرت الموظفين غير الأساسيين في سفارتها في جوبا بمغادرة البلاد. وحضّ الرئيس السوداني عمر البشير، طرفي الأزمة على ضبط النفس ووقف القتال، وأجرى اتصالاً هاتفياً بكل من سلفاكير ومشار، للاطمئنان على تطورات الأوضاع.
مشاركة :