تنظيم داعش لا يزال يستغرق وقتا أطول في النمو من جهته، والقضاء عليه من الأجهزة الأمنية الإقليمية والدولية، وربما بدأ يتلقى ضربات تضعفه نسبيا إلا أن ذلك لا يخرج عن سياق الاجتهادات الأمنية كما في الحالة العراقية وقليلا في ليبيا، لكن يظل السبب الرئيسي لبقائه حتى الآن نشطا في تدمير أمن المجتمعات وتهديد سلامتها هو تضارب أفكار تلك الأجهزة حول بقائه من عدمه وهو أمر أشرت له في وقت سابق ولا أزال على قناعة أن ذلك هو ما يسمح باحتفاظ التنظيم بقدراته في الاستقطاب والتجنيد والتدمير. يؤكد ذلك تقرير أصدرته شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة، بإشارته الى أن سبب فشل الجهود العالمية الرامية لهزيمة تنظيم داعش يعود إلى أن الدول المعنية بمحاربته، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، لم تعتبره عدوا رئيسيا، وأن أهداف تلك الدول ترتبط بمصالح أخرى، مما يتيح للتنظيم الاستفادة من تضارب تلك المصالح. ذلك في الواقع منطقي وأكبر من أن يتم تجاوزه لنصل في خاتمة المطاف الى ضرر شامل لأن ثغرات كثيرة، أمنية وفكرية عقدية، تم السماح بها ليتمتع التنظيم بكل هذه الحيوية العابثة بالأمن الجماعي. مدير الشبكة الدكتور جيفري ساكس، قال إن الهجمات الإرهابية المميتة التي شهدتها إسطنبول ودكا وبغداد، في الأيام الأخيرة، تبرهن على القدرة القاتلة التي يتمتع بها تنظيم داعش في التغلغل في أوروبا، وشمال إفريقيا، والشرق الأوسط، وأجزاء من آسيا، وإذا كان ينشط بالفعل في هذه المواقع فما الذي بقي في العالم؟ هل الجميع لا يعون خطورة سوء التنسيق أم أنهم يرفعون شعار «أنا ومن بعدي الطوفان» فيما الطوفان في الواقع يجرفهم ليؤكد الفشل في التعامل السليم والصحيح مع عمليات تنظيم يمكن بقليل من التنسيق أن يقطع شوطا في الحد من تدميره الذي لن يتوقف إلا بخطة أمنية عالمية. عمليا من الصعب محاصرة الفكر المتطرف في دولة واحدة طالما أن للتنظيم خلاياه النائمة وبقايا مشتتة هنا وهناك قد تصل للانتقام وليس عملا بمبدأ أو عقيدة أو قناعة. وفي اعتقادي فإن سوء المعالجة الفكرية هي أحد الأسباب المهمة الى جانب ضعف التنسيق الشامل، لأن الجذر المتطرف في عقول الشباب الصغار هو الذي يتصاعد بالتنظيم ويمنحه القدرة على النمو، لذلك لا أمل في المكافحة طالما بقيت المصالح معقلة كأولوية فردية وليست جماعية، ليصبح الجميع مسؤولين كليا أو جزئيا عن بقاء التطرف وتبعاته الى أجل غير مسمى ويستمتع بالحياة ليقتل حيوات بريئة كثيرة في طريقه.
مشاركة :