البطل الخارق «سوبرمان»، ظهر للمرة الأولى في سلسلة القصص المصورة الأميركية في ثلاثينات القرن العشرين، مع اقتراب الحرب العالمية الثانية، ومنذاك عرفت تلك القصص وأبطالها شعبية واسعة، صارت مع الوقت جزءاً من الثقافة الشعبية الأميركية وبمواصفاتها الخاصة التي تتلاءم مع متخيلها للبطل: رجل أبيض خارق القوى يرتدي عباءته الخاصة تميزاً عن بقية البشر. حاكت شخصيات البطل الخارق القوى في المجلات المصورة، غالباً، آلهة الخير في الأساطير اليونانية، والقادرة دوماً على تدمير قوى الشر أينما كانت. النموذج الأميركي ذاته ظهر بتنوعات ومقاربات جديدة؛ فإلى جانب «سوبـــرمـــان» كان «الرجل الوطواط» و «سبايدرمان» وغيرهم، ثم انتقلوا في ما بعد إلى شاشات التلفزيون والسينما، كصور متحركة، إلى أن طرأ تغيير جديد على الصورة النمطية، جاء، هذه المرة، من خارج حدود الولايات المتحدة، وتحديداً من اليابان، التي قدمت تصوراً محلياً مختلفاً فتح المجال لابتكار صور جديدة للبطل الخارق القوى في ثقافات أخرى، وظهرت الفتاة المسلمة مرتدية البرقع في رسومات كارتونية باكستانية فيما ابتكر الأوروبيون «الكابتن يورو» في بروكسل والتحق بهم العرب من خلال مجلة «تسعة وتسعون»، فهل أصبح لكل أمة بطلها الخارق الخاص، وهل سيزول النموذج الأميركي للبطل مستقبلاً؟ هذا السؤال حمله البرنامج التلفزيوني السويدي «ثقافة خاصة» وراح يتحرى النماذج الجديدة للبطل خارج صورته الأميركية التقليدية، مستهلاً طريقه من الكويت التي شهدت ولادة أول مجلة مصورة حملت اسم «الـ 99»، أبطالها الخارقون مسلمون يستمدون ثقافتهم من دينهم ويجتمعون مع بقية أبطال العالم بقيّم التسامح وحب الخير ومحاربة الشر. اسم المجلة مستوحى من أسماء الله الحسنى، وتظهر الأسماء مع ظهور كل من الأبطال الخارقين الجدد في القصص المتسلسلة. عن التجربة العربية الرائدة التقى البرنامج مؤسسها الدكتور نايف المطوع، سبقه بمقطع مسجل من حفلة تكريم الرئيس باراك أوباما له باعتباره واحداً من المبدعين الذين سعوا الى تقارب الثقافات والديانات ووصف منجزه «الـ 99» بأنه «الأكثر إبداعاً وتميزاً». وقال المطوع عن المجلة»: «أردت من خلال إصدار مجلة مصورة بالعربية ان يتعاون أبطالها الخارقو القوى، مع بقية أبطال العالم على الخير، ويتشاركون معهم القيم الإنسانية ذاتها». أما فكرة «الـ 99» فجاءت كتعويض عن النقص في استحضار البطل المسلم كون غالبية السلسلات المصورة استمدت أفكارها ونماذجها من الكتاب المقدس أو من الأساطير اليونانية، ولم يأخذ أحد نموذجاً من الإسلام، وهذا ما حاول العمل عليه المطوع. ويشرح المطوع للبرنامج غايته في تقديم النموذج الإيجابي غير ذاك المترسخ في الأذهان للمسلم المتطرف والذي لا يريد لأولاده أن يكون نموذجهم مسلماً، فحسب، دون أن يحمل قيم الخير والعدالة وأن يبتعد عن العنف والشرور، كما أنه يريد تغيير الصورة النمطية للمسلم في الغرب التي رسختها وسائل تعبيرية مختلفة ونبه من خطورة تكرار تلك الصورة على مسمع العربي والمسلم فتكرارها «يرسخ قبولها عند الشخص الموصوم بها، حتى لو كانت غير صحيحة». ويؤكد خطورة الدور الذي تلعبه المجلات المصورة والمسلسلات التلفزيونية كون الأطفال، بخاصة الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و13 سنة يحبون أن يقتدوا ببطلهم ويصبح مثالهم القوي في الحياة، لهذا ينبغي أن يكون البطل الخارق نموذجاً إنسانياً يساعد نموهم في مناخ سوي وإنساني التطلع. عن القيّم ذاتها التي يحملها الأبطال الخارقون، يجد البرنامج التلفزيوني عند زيارته طوكيو شاباً تطوع لنقلها إلى الواقع فارتدى زي بطل القصص اليابانية التلفزيونية «سوبر سنتاي جورانجر» من التسعينات، وأخذ يساعد أهالي منطقته في التفاصيل اليومية الصغيرة الى درجة تحول فيها الشاب الى مثال ونموذج للبطل المتخيل في القصص اليابانية التي مثلت الخروج الأول عن النموذج الأميركي. وهي أيضاً من قدمت البطل الأسود بديلاً عن الرجل الأبيض التقليدي في المسلسل التلفزيوني «أفرو ساموراي»، الذي دبلج صوت بطله الممثل الأميركي صاموئيل جاكسون وفاز بجوائز من بينها جائزة «إيمي» عام 2007. يستعرض البرنامج التلفزيوني جانباً يتعلق بذكورية البطل الخارق وتكريسه أميركياً حتى حين ظهرت «وندر ويمان» عام 1975، مسلسل بطلته امرأة لكنه مصنوع بروح رجل أبيض. والشعور ذاته تقريباً نجده في الثقافة الأوروبية التي طالما عانت هيمنة البطل الخارق الأميركي إلى أن ابتكر حديثاً نيكولاس دي سانتيز بطلاً أوروبياً خالصاً سماه «كابتن يورو» من وحي الوحدة الأوروبية والذي يظهر كمنقذ لدولها وقيّمها ويحارب كل أشكال الفساد والتهديدات. ملخص الحلقة الخاصة بـ «البطل الخارق القوى: ان النموذج الأميركي لم يعد وحيداً، وكل بلد في العالم وعلى اختلاف ثقافاته وأديانه قادر على ابتكار بطله الخاص شرط ان يكون متعاوناً مع بقية الأبطال ويتقاسم معهم قيم الخير ذاتها، وألا يكون أنانياً أو مهيمناً.
مشاركة :