غربة «تجار نجد».. قلوبهم تبكي على «فراق الحبايب»!

  • 1/31/2014
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

مثّلت مصر ولبنان وسورية والعراق قبل نحو سبعين عاماً وربما أكثر وجهة الأجداد -غالباً- للبحث عن "لقمة العيش"، حيث كانت تلك الدول تتمتع بمخزون وفير من الغذاء، والصناعة، والتجارة، وقبل هذا الزراعة، وكانت بلادنا فقيرة، ولا تملك مقومات، ولا ثروات، ولا حتى طموحات للمستقبل، والجوع ضرب أطنابه في كل مكان، والفقر حاضر بين الجميع، وهو ما دعا كثيراً من أهالي نجد إلى الخروج إلى هذه الدول الغنية وقتها، ونقل البضائع وتبادلها، وتجارة السلع الغذائية، واشتهرت حينها رحلة "العقيلات" وغيرها التي كانت شاهدة على قصص من الغربة، والألم والفراق -وهو موضوعنا هذا الأسبوع-، حيث لم تكن بالأمر الهيّن على نفوس أفراد الأسرة وذوي الأرحام، سواء الزوجات أو الوالدين والأبناء والأقربين، ناهيك عمّا يتحمله المسافر وطالب الرزق من مشقة معنوية وعاطفية تجاه ذويه، إضافةً إلى مشقته من عناء الترحال والتنقل وما يلاقيه في سفره من جراء الغربة وفقد الأحباب والأصحاب، إلى جانب متاعب ومخاوف الطريق وقطع تلك المسافات الطويلة والتنقل من بلد إلى آخر. حن قلبي حن «بابور» الحديدي من محطة مصر لين اسكندريّة وتستغرق مدة الرحلة شهوراً وربما سنين وعقوداً ولا تواصل حينها مع الأحباب إلاّ من خلال رسائل البريد التقليدية التي قد يتجاوز وصولها أكثر من شهر، هذا في حال سلامة وصول صاحبها وعدم فقدانها لأي ظرف خارج عن القدرة، وعليه فقد بقي البريد هو الوسيلة الوحيدة للتواصل بين المسافر المتغرب وأهله. ولعلنا نشير هنا إلى أن ثمة أنواع أخرى من الرسائل والمراسيل كانت موجودة قبل وسيلة البريد التقليدية، إذا تثبت المرويات أن الرسائل الشفهية التي كان الأهل ينقلونها إلى ذويهم -أو النقيض من ذلك- عادةً ما تتضمن صور التعبير الصادق عن الشوق والوجد والحنين لا سيما بين الأزواج حديثي العهد، حيث نقلت لنا دواوين الشعر من خلال ما احتوته بطون الكتب أو حفظته ألسنة الرواة العديد من قصائد الوجد والأشواق التي عبرت عن حرة البعد ولهيب الفراق على ألسنة الشاعرات اللائي يشكين فيها فراق الأزواج وبُعد مكان الأحباب. أجدادنا خرجوا إلى مصر ولبنان وسورية والعراق بحثاً عن «لقمة العيش» وأحفادهم اليوم في نعمة الخير والأمان حمام زاجل كما هو معروف فإن الاتصال عامل هام من العوامل التي ترتكز عليها حياة الناس قديماً وحديثاً، وكل فرد منّا يمارس الاتصال بطريقة أو بأخرى ويدخل مع من حوله من أفراد وجماعات في عمليات اتصالية يستحيل عليه بدونها تسيير حياته وقضاء حاجاته، والاتصال ضرورة حتمية لا يستغني عنها مجتمع من المجتمعات البشرية، ولو فقد الاتصال بين الناس لتعذر ظهور الحضارات الإنسانية، ولما تحققت السمات الثقافية المتميزة لأي مجتمع، وبوجه عام فإن تاريخ التواصل عن طريق الرسائل قديم، إذ استخدم الإنسان "الحمام الزاجل" الذي نقل الرسائل في ما مضى، ويتميز بسرعته ومقدرته على العودة دوماً إلى موطنه مهما بعدت المسافات الشاسعة التي يقطعها في إيصال الرسائل. التقنية الحديثة خففت من معاناة المغتربين اليوم ولكن لا تقارن مشاعرهم ب«جيل الأجداد» حين تنهدت أشواقهم طول اغتراب كان الشعر يمثّل عنصراً رئيساً من عناصر العملية الاتصالية التي تبدأ بالشاعر "المرسل" وتنتهي بالأهل والزوجة التي هي بمثابة "المستقبل" للرسالة وللعملية الاتصالية التي ظل الشعر آنذاك هو -أو يكاد يكون- هو الوسيلة الوحيدة للتعبير والبوح عمّا يختلج النفس من الشوق والحنين، وهو ما عبّر عنه الشاعر القديم حين طلب من زوجته ألاّ تترقب عودته في القريب العاجل وهو يرسل لها قائلاً: عدي السنين لغيبتي وذري الشهور إنهن قصار بيد أنها تكتب له: اذكر صبابتنا وودنا وارحم بناتك إنهن صغار حينها لا يملك الزوج إلاّ العودة لأهله وأبنائه، ضارباً بمصادر وموارد الرزق عرض الحائط، في موقف يتناقض مع موقف الشاعر "أبو زريق البغدادي" الذي ضرب الأرض طولاً وعرضاً يبحث عن رزق لأهله وأبنائه، ومن بغداد يتجه غرباً إلى أن يصل الأندلس فيعاني ويطول اغترابه ويتلقى الرسالة تلو الرسالة من زوجته التي لم يملك إلاّ أن يكتب لها رسالته الباكية الشاكية، وهو يعزيها طول الفراق ومرارة المذاق وهو يقول لها: لا تَعذَلِيه فَإِنَّ العَذلَ يُولِعُهُ قَد قَلتِ حَقاً وَلَكِن لَيسَ يَسمَعُهُ جاوَزتِ فِي نصحه حَداً أَضَرَّ بِهِ مِن حَيثَ قَدرتِ أَنَّ النصح يَنفَعُهُ فَاستَعمِلِي الرِفق فِي تَأِنِيبِهِ بَدَلاً مِن عَذلِهِ فَهُوَ مُضنى القَلبِ مُوجعُهُ ما آبَ مِن سَفَرٍ إِلاّ وَأَزعَجَهُ رَأيُ إِلى سَفَرٍ بِالعَزمِ يَزمَعُهُ كَأَنَّما هُوَ فِي حِلِّ وَمُرتحلٍ مُوَكَّلٍ بِفَضاءِ اللَهِ يَذرَعُهُ اِستَودِعُ اللَهَ فِي بَغدادَ لِي قَمَراً بِالكَرخِ مِن فَلَكِ الأَزرارَ مَطلَعُهُ وَدَّعتُهُ وَبوُدّي لَو يُوَدِّعُنِي صَفوَ الحَياةِ وَأَنّي لا أَودعُهُ وَكَم تَشبَّثَ بي يَومَ الرَحيلِ ضُحَىً وَأَدمُعِي مُستَهِلاّتٍ وَأَدمُعُهُ رُزِقتُ مُلكاً فَلَم أَحسِن سِياسَتَهُ وَكُلُّ مَن لا يُسُوسُ المُلكَ يَخلَعُهُ كَم قائِلٍ لِي ذُقتُ البَينَ قُلتُ لَهُ الذَنبُ وَاللَهِ ذَنبي لَستُ أَدفَعُهُ بِاللَهِ يا مَنزِلَ العَيشِ الَّذي دَرَست آثارُهُ وَعَفَت مُذ بِنتُ أَربُعُهُ هَل الزَمانُ مَعِيدُ فِيكَ لَذَّتُنا أَم اللَيالِي الَّتي أَمضَتهُ تُرجِعُهُ عَسى اللَيالي الَّتي أَضنَت بِفُرقَتَنا جِسمي سَتَجمَعُنِي يَوماً وَتَجمَعُهُ وَإِن تُغِلُّ أَحَدَاً مِنّا مَنيَّتَهُ فَما الَّذي بِقَضاءِ اللَهِ يَصنَعُهُ الرابح اللي ما سكن بالدقي ولا يعرف أسواق بر الجيزة ولا قال للجزار عطن حقي يعطيك عن خمس الجنيهات بريزة غربة وترحال وفي الشعر الشعبي يصف أحد شعراء "العقيلات" حاله بعد طول انتظار البريد الذي لم يصله من أحبابه، وكان حينها في "سوق امبابة" وهو من الأسواق الكبرى التي يتجمع فيه "العقيلات" الذين استوطنوا مصر لتجارة الإبل والخيل، يقول هذا الشاعر عندما سمع صوت القطار ولم يأته بأخبار أهله وأحبابه: حن قلبي حن بابور الحديدي من محطة مصر لين اسكندريّة ضاق صدري يوم أنا شفت البريدي ما معه لي ما يهون به عليّه أسمع الأخبار لو هي من بعيدي في خطوط ليتها تقرأ عليّه وغير بعيد عن "إمبابة" كان "سوق الجيزة" من أكبر الأسواق في القاهرة، وكان الشاعر العقيلي "صالح الوهيبي" ذات يوم جالساً مع "العقيلات" وسط السوق، وكان حينها يقرض الجزّارين في الجيزة ويبيع لهم بالدين والسلفة ولما طالت مماطلة البعض عن السداد قال: الرابح اللي ما سكن بالدقي ولا يعرف أسواق بر الجيزة ولا قال للجزار عطن حقي يعطيك عن خمس الجنيهات بريزة وتهيض قريحة الشعراء المسافرين الذين يبحثون عن الرزق لسداد ديونهم ولشظف العيش في ديارهم، فها هو الشاعر "محمد الغنيمان" يشكي ثقل الدين وكثرة المصاريف قائلاً: هذا طويل الثلج يا طريف جيناه وين الحطب نبي نسوى عشانا البق والبرغوت حنا وصلناها الديرة اللي ما هواها هوانا لولا الغلا والدين ما كان جيناه مير المصاريف غاليات ورانا ويلاحظ القارئ اشتياق أولئك الرجال وتوجّدهم لديارهم وحياتهم التي اعتادوا عليها، ومع ذلك يصرون على الغربة والترحال وتحدي الظروف والشوق والحنين للأهل. تصوير معاناة ولم يقتصر التعبير عن حنين وأنين الأشواق والبوح بسرائر الفؤاد على الرجال فقط، فهاهن النساء يبدعن أيما إبداع في تصوير معاناتهن ويصفن حرارة البعد والهجر، فهذه "حصة الفوزان" تعبر عن معاناتها من طول غربة ابنها "محمد" الذي سافر مع "العقيلات" وطال غيابه لترسل له المرسول وهي تقول: يا محمد روحت في الزمل ملحاق وبعدت عنّا يا ظنينة فؤادي من أول ترجي تجينا من أوراق واحسب الأيام عدد عدادي لولا الحيا صبيت صوتي بالأشواق أكالمك واصيح ثم أنادي طلبت أنا من المسبور سماك الأطباق حيثه رب وفوق كل العبادي يلطف بحالي اللي ضعيف ومشتاق ويطير من قيله سواة الجرادي بقر عيني بك ولابيك تنعاق عساي أشوفك لافي بالبلادي فيما تشكو إحداهن لزوجها كثرة أسفاره وانشغاله بحثاً عن موارد الرزق وهي تناديه قائلة: إلى متى راحت حياتي وانا أرجيك الله لا يقطع رجاً بك رجيته لو شفت دمع عيوني اللي تراعيك هلت على المكتوب ساعة قريته إن كان جا مستقبلك مثل ماضيك أقول يا خلاف سعيٍ سعيته وان كان تبغيني مثل ماني أبغيك لزوم تاطا بالوعر ما وطيته وان كان حال الياس دون الرجا فيك أقول ذا ذنبٍ لنفسي جنيته ثم قالت في ابنها "دهش" الذي سلك درب والده في التجارة وطال غيابه: لا يا دهش علمي بكم بالضحية واليوم هذا التوم بين هلاله ودموع عيني سيلن الشغيه مثل صبيب السحب سود خياله البارحة عيني عن النوم عيه حتى ضحى اليوم مما جراله وهي في تعابيرها ووجدانياتها غير بعيدة عن ما عبّرت به "موضي المطيري" في بيتها المشهور: اللي يتوه الليل يرجي النهار واللي يتوه القايلة من يقديه ساعة فراق وقالت "قمرا المرهوصة": يا قلب ياللي كل ما قلت له أنا هاد عاده بلاه اللي من العام يقزيه يالعين وان زاد العنا والسهر كاد اللي بقا من تالي الدمع هاتيه على عشيرٍ شاف طلعه بالأبعاد لاهوب زيراني وأنا مقدر أرجيه يا ليت ساعة بالنظر يمنا عاد أبادل الأفكار بالراي وأعطيه صحيح ماقالوا قديمين الأجواد كلٍ يدافع دون عرضه وعانيه لعل عنوانه على روس الأشهاد ومن موقف الحقران ربي ينجيه ياونتي ونة خفا كونا زاد ما ظن تبرا من فؤادي مكاويه رضيت في نفعه على كيف ما راد لاشك حظه قاصراتٍ مداليه حظه ربوضٍ يوم كاسبات الأفواد طير السعد عيا نصيبه يباريه من لا يزيده رازق الناس مازاد عيا يوافقني عسى الله يدنيه وهي التي صورت من عتبة باب منزلها ساعة الفراق ووداع الزوج قبل السفر لطلب الرزق قائلةً: ياونتٍ ما سمعها الناس وأهلي ما سمعها غير الولي يوم ونيت على عشيرٍ يوم مد القدح لي بكا وقال إني على الهجن شديت قفا ودمعي فوق خدي يهلي ماحدٍ يعوض عنه بالحي والميت من عقبه أمشي مل مشي الدبح لي وزرت رجولي لا توديني البيت وزرا لساني عن محاكيك يسلي وزرت عيوني عن مراعاك واغضيت يا طول غربتكم وخاطبت "ضحية الحماد" ابنها الصغير وهي تشجعه على البر بوالدته وضرورة أن ينهج نهج أسلافه وبني عمومته في دروب التجارة قائلةً: محمد متى تكبر وتبني لي البيت والا تنهّج مع طريق الربوعي ابوك يشناني وانا ماتردَّيت ولا ضهته يوم سوق الدفوعي أما "حصة العنزية" فقد عاتبت بعض أبناء قومها وكانوا فتياناً صغار السن وقد شدوا رحالهم لطلب الرزق لكنهم سرعان ما عادوا لا يحملون من حطام الدنيا شيئاً، وهو ما لم تعرفه من أبناء عمومتها الذين اعتادوا أن لا يعودوا إلاّ بالغنائم الجزلة، وهو ما دعاها أن تقول: يا عيال يا طول غربتكم نصف الشهر ما تمضونه خسارة بس روحتكم مع راعي الفرت تتلونه جيتوا وهي ما تحرتكم ترجي الفوايد تجيبونه حصيلكم بس كروتكم والزود للشوق صابونه ساعي البريد ومع تعاقب الأزمان والتطوير الذي حققه الإنسان في كافة المجالات لا غرابة أن تتوسع وتتطور وسائل الاتصال في العالم بشكل عام ومن ضمنها الدول العربية، فقد استخدمت الرسائل البريدية والطرود لنقل رسائل الأهل والمحبين والمغتربين عن ديارهم، وكانت فرحة المتلقي لا توصف، وكان ساعي البريد يحمل رسائل المحبين من بلدٍ إلى بلد في زمنٍ كان فيه العشاق أحسن حالاً وأصدق نبرةً من عشاق هذا الزمان، وهناك نماذج وأشكال متعددة من الآلات التي كانت تستخدم في عمل البريد والموازين إبان ظهوره والتي كانت توزن بها الرسائل والطرود قديماً وحديثاً، إلى جانب الزي الرسمي الذي كان يستخدمه ساعي البريد وكذلك الدراجة الهوائية التي كان يستخدمها قديماً مع شنطة حفظ الرسائل. وشهد البريد السعودي تطوراً ملحوظاً إلى أن وصل إلى ما نحن عليه الآن من تعزيز بفرق من موزعي البريد المدربين وزود هؤلاء الموزعون بسيارات مجهزة بأنظمة التعقب الجغرافي وقارئات إلكترونية، توضح كيفية التعامل مع "الرمز الكودي"، وتتصل هذه الأجهزة بأنظمة استلام البريد وإيصاله وفرزه وتوزيعه، وتدار مركزياً من غرف تحكم متطورة، وصولاً إلى إمكانية الدخول إلى الخرائط العالمية، وإدخال عنوان المنزل، والاطلاع على صور الأقمار الصناعية للعنوان واستخراج العنوان في حال عدم معرفته، بعد أن كانت الرسالة تستغرق زمناً طويلاً في وصولها لذوي المرسل، والذين كانوا ينتظرونها بشغف وشوق وفرحة عارمة لا توصف حين استلامها، وكذلك الأمر بالنسبة للمغترب أو المسافر عن أهله، حيث كانت الدموع تصاحبهم أثناء فتح الرسائل شوقاً لمحبيهم، ولم يكن الإيصال في ذلك الوقت دقيقاً فقد تصل الرسالة وقد تفقد، وحينها يصاب الأهل بالقلق والخوف على ولي أمرهم الذي ذهب غازياً يبحث عن لقمة عيشه، واستمرت الرسائل البريدية التقليدية حقبة زمنية طويلة تمثل الوسيلة الوحيدة لنقل الرسائل. مكالمة هاتفية وشيئاً فشيئاً انتقل الإنسان من الرسائل التقليدية إلى الهاتف الأرضي، الذي أصبح حلقة وصل بين المحبين والمشتاقين للاطمئنان على أحوالهم والاستفسار عن أوضاعهم، وفي عهد المؤسس الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- والذي رأى أهمية البريد والاتصالات وضرورة الإفادة من المخترعات الحديثة في هذا المجال لربط مناطق المملكة المترامية الأطراف، والتي تفصل بينهما المسافات الشاسعة، فصدرت أوامره - في عام 1345ه بإنشاء مديرية البرق والبريد والهاتف، وربطت بالنيابة العامة تحت مظلة الأمور الداخلية، وأُنيط بالإدارة الجديدة العناية بمختلف خدمات البريد والاتصالات. وفي عام 1372ه أُنشئت وزارة المواصلات، وعُين الأمير طلال بن عبدالعزيز وزيراً لها، وضمت إليها مرافق البرق والبريد والهاتف، وقد استمر الاهتمام والدعم لهذه الخدمات من قبل المسؤولين في المملكة حتى الوقت الحاضر. مما يجدر ذكره أن الأهالي سابقاً كانوا يقطعون المسافات الطويلة للحصول على خدمة الهاتف لمحاكاة ذويهم والاطمئنان عليهم. اتصال مباشر ومع العولمة الحديثة وظهور عصر "الإنترنت" استخدمت العديد من الوسائل لنقل الرسائل وفتح المجال على مصراعيه لخدمة البشرية، فظهر الجوال الذي لم يكن أحد يتصوره عندما أطلقت شركة "موتورولا" الأميركية في عام 1983م أول هاتف جوال، وكان من يحمل هذا الجهاز في أوروبا يلفت الانتباه عندما يشاهده الناس يتحدث إلى نفسه، كما كان يثير الاستياء في الأماكن العامة عندما يدق الهاتف، أمّا الآن فالكل أصبح لديه هذا الجهاز السحري الذي منح كافة الخدمات لمستخدميه ابتداء من الجوالات والنقالات العادية إلى الأجهزة الذكية، وأصبح بإمكان المسافر أن يتحدث مع ذويه مباشرةً -صوتاً وصورة-، وتخطى الأمر ذلك فأصبح التحدث والاطمئنان على الأهل بواسطة الفيديو "كيك"، أو "سكايب"، وغير ذلك من مواقع التواصل الاجتماعي المعروفة ك "فيس بوك" و"تويتر" و"الإنستقرام"، فبإمكان الزوجة الآن التحدث مع زوجها ولو كان في أقصى بقاع المعمورة ومشاهدة أحواله ومسكنه، إلاّ أن كبار السن من المعمرين المعاصرين يرون أن الشوق قديماً كان أكثر واقعية ومصداقية، ويرون أن التقنيات الحديثة شوَّهت معالم الوجد وجماليات الشوق والحنين، ودنَّست جماله وقضت على كثيرٍ من جلاله ورونقه، وحوَّلته إلى آلةٍ صماءَ بكماءَ لا مشاعر فيها ولا أحاسيس.

مشاركة :