أين تتجه أسواق النفط العالمية؟ وهل هناك من مخاوف حقيقية على توازن العرض والطلب في المدى المنظور؟ أجل، دعونا نلحظ مستويات الإنتاج الراهنة واتجاهات الطلب العالمي، ونرى أي استنتاج يُمكننا الخروج به. في تقريرها الشهري، الصادر في 16 كانون الثاني يناير 2014، قالت منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) إن إنتاجها واصل الانخفاض، وإن ما تضخه في السوق يقل عن الحاجات العالمية من خامها، وفق حسابات هذا العام. إن أسواق النفط العالمية لن تشهد ضعفاً في المستقبل المنظور، وإن تحسن مستويات الإنتاج في بعض دول أوبك، التي كانت متضررة من العقوبات أو الاضطرابات السياسية، لن يكون له أي تأثير سلبي على توازن السوق وتوقع التقرير أن يبلغ متوسط الطلب على نفط أوبك في العام الجاري 29.58 مليون برميل يومياً. ونقل التقرير عن مصادر ثانوية قولها إن إنتاج أوبك انخفض إلى 29.44 مليون برميل يومياً في كانون الأول ديسمبر الماضي، وهو ما يقل عن مستوى الطلب المتوقع لهذا العام. وينبئ ذلك بأنه لن تكون هناك إمدادات فائضة في السوق خلال العام 2014، إذا ظل إنتاج أوبك عند مستوى كانون الأول ديسمبر. وقد قررت أوبك، خلال اجتماعها الذي عقدته في الرابع من كانون الأول ديسمبر 2014، استمرار العمل بسقف إنتاجها، البالغ ثلاثين مليون برميل يومياً، وأعلنت أنها لا تريد ضخ مزيد من النفط في الأسواق. ويرى خبراء في سوق النفط أن قرار أوبك هذا لا يتعارض مع احتمال تحسن الإنتاج في بعض دولها، مثل ليبيا وإيران، إذ ستجري حينها إعادة رسم جزئي لحصص الإنتاج، متى كان سوق النفط غير قادر على امتصاص الزيادة المحتملة، وهو الأمر غير المرجح في ضوء الآفاق الواعدة لهذا السوق، حتى بلحاظ تطوّر الإنتاج في أميركا الشمالية، وروسيا والصين والأرجنتين، وبعض الدول الأخرى غير الأعضاء في أوبك. ويرى هؤلاء الخبراء أن الاجتماع المقبل لمنظمة أوبك، في حزيران يونيو 2014، سيشهد نقاشاً خاصاً بكيفية التعامل مع عودة الإنتاج قريباً من مستوياته الطبيعية في بعض الدول الأعضاء. وإن هناك إجماعاً داخل المنظمة على أن الأمر سيبقى تحت السيطرة. وقد أعلنت إيران انها سترفع الإنتاج الى أربعة ملايين برميل يومياً، حين ترفع العقوبات الغربية المفروضة عليها. وأشارت طهران إلى أن أوبك عادة ما تفسح المجال أمام الدول التي يتعرض إنتاجها لانتكاسات. وتستطيع إيران زيادة الإنتاج إلى ما بين ثلاثة ملايين و3.5 ملايين برميل يومياً في غضون ستة أشهر من رفع العقوبات، ولكنها ستجد صعوبة في تجاوز أربعة ملايين برميل يومياً. وزادت صادرات النفط الإيرانية زيادة طفيفة في كانون الثاني يناير 2014، وذلك للشهر الثالث على التوالي. وتبلغ الزيادة في الصادرات نحو 50 ألف برميل يومياً، وهو ما يعني ارتفاع إجمالي الصادرات الإيرانية إلى نحو 1.2 مليون برميل. ومن غير المحتمل أن تكون هذه الزيادة بمثابة نتيجة مباشرة لتخفيف العقوبات. وعملياً، ساعد تعطيل العقوبات الدولية على تخفيف الضغط عن قطاع الطاقة الإيراني، الذي كان على وشك فقدان طاقته التخزينية لفائض إنتاجه. وكان يتعرض لخطر تكبد خسائر فادحة من جراء الإغلاق القسري للحقول. وبفعل تعطل جزء من العقوبات سوف تنخفض تكاليف المعاملات الخاصة بشحن النفط الخام. وتستطيع إيران حالياً الاستغناء عن السفن المملوكة لأجانب لنقل السلع. وهو ما يتيح طاقة نقل بحري لتوصيل مبيعاتها النفطية. وخسرت طهران، بسبب العقوبات، إيرادات كبيرة، فضلاً عن خسارة جزء من حصتها في السوق. وستظل العقوبات المتبقية تعرقل جزئياً الصادرات النفطية الإيرانية لستة أشهر أخرى. من ناحيته، لا يتوقع العراق أن تلزمه أوبك بحصة إنتاج تقلص إمداداته خلال العام 2014، وأعلن أنه لن يخفض الإنتاج، فهو لا يرى سبباً لذلك. وقفزت صادرات العراق النفطية من موانئه الجنوبية حوالي 300 ألف برميل يومياً، في الأسبوعين الأولين من العام 2014، وذلك بالمقارنة مع مستوياتها في كانون الأول ديسمبر الماضي. وبلغ متوسط صادرات النفط من هذه الموانئ 2.35 مليون برميل يومياً. ويصدّر العراق أيضاً حوالي 300 ألف برميل يومياً من حقول كركوك، في شمالي البلاد، إلى ميناء جيهان التركي. وفي 28 كانون الثاني يناير من العام الجاري، قال العراق إنه يخطط لزيادة إنتاجه إلى 4.7 ملايين برميل يومياً في العام 2015، وإنه تجاوز بالفعل ثلاثة ملايين برميل يومياً. على صعيد مستقبل الإنتاج الليبي، نقلت وكالة رويترز، في أواخر الشهر الجاري، عن مصادر ليبية قولها إن اتفاقاً قد يجري التوصل إليه في غضون أسبوعين لإنهاء الحصار المسلح المفروض على ثلاثة موانئ نفطية، تسهم في تصدير 600 ألف برميل يومياً، وذلك بعد إحراز تقدم في المحادثات الجارية بين الحكومة والمسلحين. وساهم حصار الموانئ في خفض إنتاج ليبيا النفطي إلى النصف، وذلك منذ آب أغسطس، عندما بدأت الاحتجاجات المسلحة. في الصورة المقابلة للهواجس الخاصة باحتمال حدوث تخمة نفطية، تؤكد وكالة الطاقة الدولية بأن الطلب على النفط بدأ يتجه نحو النمو لأول مرة منذ سنوات. أما البنك الدولي فقد رفع أخيراً توقعاته للنمو الاقتصادي العالمي، للمرة الأولى في نحو عامين. تقول وكالة الطاقة الدولية، في تقريرها الذي صدر في 11 كانون لأول ديسمبر الماضي، إنه بعد ثمانية فصول متوالية من الانكماش، عاد الطلب على النفط في الدول الصناعية للنمو في الربع الثاني من العام 2013. ومنذ ذلك الحين تسارع الطلب على الوقود، لا سيما في الولايات المتحدة، أكبر مستهلك للنفط في العالم. وتشير الوكالة، التي تمثل مصالح المستهلكين في الغرب، إلى أنه في تشرين الثاني نوفمبر الماضي وحده قفز الطلب الأميركي على النفط إلى أكثر من عشرين مليون برميل يومياً، وذلك للمرة الأولى منذ الأزمة المالية التي تفجرت عام 2008. ولا يقتصر الاتجاه العام لنمو الطلب على النفط على الولايات المتحدة، بل يشمل أوروبا أيضاً. وقد توقف الانكماش الكبير للطلب الذي شهدناه في السنوات الأخيرة، وانعكس الاتجاه. ورفعت الوكالة تقديراتها لنمو الطلب العالمي على النفط إلى أكثر من 92.4 مليون برميل يوميا في العام 2014. وعلى صعيد عالمي عام، تشير التقارير الدولية إلى أن الزيادة الكبيرة في استخدام السيارات في الأسواق الصاعدة سوف تساهم من ناحيتها في زيادة الطلب على النفط على المدى الطويل، على نحو يتجاوز التقديرات الراهنة. وتشير هذه التقارير إلى أن عدد السيارات في العالم سيتضاعف إلى حوالي 1.9 مليار سيارة خلال العقدين المقبلين. واستقرت أسعار النفط على مدار السنوات الثلاث الماضية، واقتربت في المتوسط من 110 دولارات للبرميل. ويتوقع أن تظل الطاقة الأحفورية محور الاهتمام الأساسي، بالنظر إلى أنها ستشكل نحو 76% من مزيج الطاقة العالمي بحلول العام 2035. على صعيد مؤشرات النمو الاقتصادي العالمي، رفع صندوق النقد الدولي توقعاته لهذا النمو للمرة الأولى في نحو عامين، وذلك مع تزايد الطلب والمخزونات في الاقتصادات المتقدمة، التي أخذت شعلة النمو من الأسواق الناشئة. وقال الصندوق، في تقرير أصدره في 21 كانون الثاني يناير 2014 تحت عنوان "الآفاق الاقتصادية العالمية"، إنه يتوقع نمو الاقتصاد العالمي بمعدل 3.7% عام 2014، ونمو يبلغ 3.9% عام 2015. ويؤكد خبراء الصندوق بأن وتيرة النمو قد تسارعت بفعل تراجع إجراءات التقشف الحكومية في الغرب، وتواري حالة عدم اليقين التي كانت سائدة على مدى أعوام، وتعافي النظام المالي. وفي المجمل، فإن العوامل التي كانت تبطئ التعافي الاقتصادي العالمي قد أخذت طريقها الآن نحو الانحسار. وما يُمكن قوله خلاصة، هو أن أسواق النفط العالمية لن تشهد ضعفاً في المستقبل المنظور، وإن تحسن مستويات الإنتاج في بعض دول أوبك، التي كانت متضررة من العقوبات أو الاضطرابات السياسية، لن يكون له أي تأثير سلبي على توازن السوق، في ظل نمو أكيد للطلب العالمي على الطاقة، مدعوماً بتعافي النمو الاقتصادي، وعوامل أخرى محفزة. وسوف تحافظ أسعار النفط على مستويات قريبة من وضعها الراهن، خلال العام 2014 كحد أدنى. وقد ترتفع قليلاً، بفعل عوامل غير محسوبة أو ثانوية، ثم تعود إلى حالتها.
مشاركة :