التقت رئيسة وزراء بريطانيا الجديدة تيريزا ماي نظيرتها الاسكتلندية نيكولا ستورجن، أمس في أول زيارة رسمية لها ضمن مساعيها للحفاظ على وحدة المملكة المتحدة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ووصلت ماي إلى المقر الرسمي لستورجن التي هددت بتنظيم استفتاء جديد حول استقلال اسكتلندا إذا لم يتم أخذ مصالح الاسكتلنديين في الاعتبار، ووقفت المسؤولتان أمام عدسات المصورين قبل بدء اللقاء، الذي سيحدد إطار علاقتهما المستقبلية، بينما تخوض بريطانيا مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي. وبحسب "الفرنسية"، فقد تولت ماي منصبها بعد استقالة ديفيد كاميرون من رئاسة الحكومة في أعقاب استفتاء 23 حزيران (يونيو) الماضي، وأجرت تغييرات حكومية مفصلية استبعدت فيها عديدا من وزراء كاميرون وفاجأت عواصم العالم بتعيين بوريس جونسون، قائد حملة الخروج من الاتحاد الأوروبي، غير الدبلوماسي أحيانا، وزيرا للخارجية. وأحدثت نتيجة الاستفتاء صدمة في أنحاء العالم وأثارت مخاوف من انكماش اقتصادي، واحتمال استبعاد بريطانيا من السوق الأوروبية، وهو ما يثير قلقا بشكل خاص لدى ستورجن، ودعم الناخبون الاسكتلنديون بغالبية ساحقة البقاء في الاتحاد الأوروبي، وترى الزعيمة القومية ستورجن ذلك أرضية محتملة لتصويت آخر على الاستقلال. وقبل توجهها إلى اسكتلندا شددت ماي على دعمها القوي للمملكة المتحدة وعلى إبقاء إدارة ستورجن منخرطة في مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بحسب المتحدث باسم داونينغ ستريت، وقالت في بيان: "أؤمن من كل قلبي بالمملكة المتحدة. وهذه الزيارة إلى اسكتلندا هي الأولى لي كرئيسة وزراء ومجيئي إلى هنا لإظهار التزامي المحافظة على هذا الاتحاد الخاص". وفي استفتاء 23 حزيران (يونيو) صوت 52 في المائة لمغادرة الاتحاد الأوروبي، لكن في اسكتلندا اختار 62 في المائة البقاء، وقالت ستورجن إن لدينا ربما آراء مختلفة حول ما يمكن أن يحصل الآن فيما يتعلق بتصويت بريكست، وتترأس ستورجن الحزب القومي الاسكتلندي اليساري المؤيد للانفصال، معتبرة أن واجبها السعي للحفاظ على مصالح اسكتلندا، وموقفي يقوم على احترام تصويت السكان في مناطق أخرى من المملكة المتحدة وآمل بأن تحترم رئيسة الحكومة تصويت شعب اسكتلندا. وكانت ستورجن قد أعلنت غداة صدور نتائج الاستفتاء أنه من "المحتمل جدا" إجراء استفتاء ثان حول استقلال البلاد، وصوت الاسكتلنديون في آيلول (سبتمبر) 2014 للبقاء ضمن المملكة المتحدة الصامدة لثلاثة قرون. وبعد ست سنوات وزيرة للداخلية في حكومة كاميرون، اعتبرت ماي خيارا آمنا لخلافته، لكنها بدأت باستبعاد جذري لبعض زملائها في الحكومة السابقة فأقالت وزير المالية جورج أوزبورن ووزير العدل المؤيد لبريكست مايكل غوف، لكنها أوكلت لجونسون حقيبة الخارجية. وأكثر من ثلثي الحكومة الجديدة درسوا في مدارس حكومية، تماشيا مع وعد ماي عند توليها منصبها ببناء بريطانيا أفضل تعمل من أجل الجميع، وليس فقط لقلة من المحظوظين، وكتبت صحيفة "غارديان" على صفحتها الأولى "التغيير الحكومي الجذري لماي يفاجئ الحرس القديم"، بينما عنونت "ديلي ميل" على صفحتها الأولى بـ "مسيرة أصحاب الكفاءة". غير أن الجدل المحيط بتعيين بوريس جونسون ألقى بظلاله على يومها الأول في داوننغ ستريت، إذ اتهم وزير الخارجية الفرنسي جان- مارك ايرولت الرئيس السابق لبلدية لندن بأنه "تمادى في الكذب" خلال حملة الاستفتاء. وخلال مشاركته في حفل إقامه السفير الفرنسي في لندن بمناسبة العيد الوطني الفرنسي، وقبل ورود أنباء الاعتداء الإرهابي في نيس، أكد جونسون أنه محب لأوروبا، في خطاب قوبل بمزيج من الترحيب والشجب. وطالب القادة الأوروبيون ماي بالتحرك سريعا لتطبيق بريكست وسط مخاوف من الأضرار التي يمكن أن يلحقها استمرار حالة عدم اليقين باقتصاد الاتحاد الأوروبي والعالم. ومع تولي تيريزا ماي، مهام منصبها الجديد انهالت الضغوط على أول امرأة تحكم بريطانيا منذ مارغريت ثاتشر، من القادة الأوروبيين لبدء تنفيذ بريكست، وقال رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر: "أنا متعجل للعمل عن قرب معك وأعرف نواياك بهذا الشأن"، فيما كرر رئيس فرنسا فرنسوا هولاند أنه يريد بأسرع وقت بدء مفاوضات انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي في اتصال هاتفي مع ماي. واتصلت المستشارة أنجيلا ميركل كذلك بماي وأكدتا خلال الاتصال على ضرورة استئناف "العلاقات الودية المثمرة" بين بلديهما، ورغم أن ماي، رئيسة الوزراء الـ54 لبريطانيا، لا تؤمن بأهمية الانضمام إلى المؤسسات الأوروبية، لكنها انضمت إلى معسكر البقاء خلال حملة الاستفتاء. وأكدت ماي، سابقا أنها لن تفعل المادة 50 من معاهدة لشبونة لبدء عملية الانفصال قبل نهاية السنة، وخلال آخر جلسة أسئلة في مجلس العموم دعا ديفيد كاميرون ماي إلى عدم التخلي تماما عن سائر أعضاء الاتحاد الأوروبي الـ27. وفي مقالة بعنوان "رئيسة وزراء جديدة والمشكلات نفسها" لخصت صحيفة "غارديان" التحديات، التي تنتظر ماي بقولها "لا مال، ولا غالبية صريحة، وصداع كبير: أوروبا"، وتنتظر ماي مهام أخرى جسيمة مثل إعادة توحيد صفوف حزب المحافظين المنقسم وتهدئة التوجهات الاستقلالية لدى اسكتلندا عدا عن طمأنة المستثمرين. وكان بنك إنجلترا أبقى مؤشر الفائدة الرئيسي عند 0.50 في المائة، لكنه لمح إلى خفض محتمل الشهر المقبل، وحذر وزير المالية الجديد فيليب هاموند من قرارات شركات بتجميد استثماراتها، وقال إنه سيعمل من كثب مع حاكم المصرف المركزي مارك كارني "لإبقاء الاقتصاد على السكة".
مشاركة :