دعت مذكرة دبلوماسيين من وزارة الخارجية الأميركية، تسربت الشهر الماضي، إلى ضرورة تدخل الولايات المتحدة في سورية عسكريا، باعتباره أمرا حاسما لوضع حد للحرب الطاحنة المستعرة في البلاد منذ سنوات. وأضافت المذكرة أن هذه الخطوة الأميركية -لو تمت- قد تكون ناجحة. ولكن يبدو أن أي تدخل عسكري أميركي له مخاطره، على غرار ما حصل جراء غزو العراق عام 2009 والتدخل في ليبيا عام 2011، علما بأن مذكرة الدبلوماسيين لم تدرك أن الولايات المتحدة قد أضعفت موقف بشار الأسد، حيث دعمت أميركا المعارضة السورية عام 2015 سراًّ، مما جعلها تحقق مكاسب على الأرض وتجعل مدينة اللاذقية -قلب النظام السوري- في مرمى النيران، وتكبّد النظام السوري خسائر كبيرة، كما خسر مناطق في إدلب شمالي البلاد. ولقد كانت خسائر النظام السوري هذه أمام المعارضة من العوامل الرئيسية للتدخل العسكري الروسي في الحرب التي تعصف بسورية، بعد سنوات من وقوف موسكو على الحياد. وإذا كانت روسيا قد تدخلت عسكريا في سورية في أعقاب تقديم الولايات المتحدة الدعم السري للمعارضة المناوئة للأسد، فإنها سترد بشكل أقوى إذا قدمت أميركا الدعم العلني للمعارضة، ولهذا أبقت روسيا فرقة جوية وآلاف الجنود في سورية. وحتى لو افترضنا أن روسيا تخلت عن سورية، فإن أي تدخل عسكري أميركي في سورية من شأنه أن يتسبب في تكثيف دعم إيران وحزب الله اللبناني لنظام الأسد، وهذا بدوره يعزز من موقف "الصقور" في إيران، وبالتالي يقلص من فرصة تحسن العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران. ربما يعتقد من ينادون بالتدخل العسكري الأميركي أن هذه الخطوة -لو تمت- ستُجبر الأسد على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، لكن هذا الاحتمال يعتبر أيضا غير قابل للتصديق، لأن الأسد وحلفاءه يفضلون خوض القتال على أن يسلموا سورية "للجهاديين السُّنة". والآن أمام الولايات المتحدة خياران: إما أن تتنحى جانبا وتترك الأمور تجري على عواهنها في سورية، وإما أن تصعّد عن طريق حرب بالوكالة حتى تجهز على نظام الأسد بالكامل. وعلى نطاق أوسع، لا يبدو أن الموقعين على المذكرة ورفاقهم قدّروا أن الرئيس الأميركي أصبح محدود الموارد للوفاء بالالتزامات الإستراتيجية العالمية، مثل مواجهة الصين في المحيط الهادئ، وتعزيز منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وإبقاء الأسلحة النووية بعيدة عن أيدي إيران. ولذا فإن الرئيس أوباما لا يستطيع القيام بحرب مفتوحة في سورية، ذلك البلد الذي تُعد مصلحة الولايات المتحدة الوطنية فيه خفية ومعقدة. وينبغي الأخذ في الاعتبار أن ضبط النفس الأميركي في منطقة الشرق الأوسط، ليس تقويضا للتحالف الدولي المعادي لتنظيم داعش، فلقد عززت أميركا ذلك التحالف على مدى السنوات الثلاث الماضية.
مشاركة :