الروائي السعودي يوسف المحيميد: ما زلت أبحث عن النص الجمرة

  • 7/16/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

ينشغل الكاتب والروائي السعودي يوسف المحيميد بالكتابة عن الإنسان، وإنسانيته المفرطة، ومعاناته، وأحلامه وخيباته، رجلاً كان أو امرأة، فاستطاع كسر جدار المحلية بأسلوبها الخاص ليقدم أعمالاً قصصية وروائية حققت نجاحاً لافتاً، هو أحد المبدعين الذين راهنوا على فن الرواية، رافضاً أن تتحول إلى منشور سياسي أو اجتماعي، ويطمح في التغيير للأفضل. {الجريدة} التقته أثناء زيارته القاهرة وكان الحوار التالي. تزخر مواقع التواصل الاجتماعي باقتباسات من أعمالك ورسائل إلى شخصياتك لا سيما بطلة روايتك «القارورة»، كيف ترى ذلك وما الذي يحقق الخلود للشخصية الروائية؟ (يضحك)، دعيني أخبرك شيئاً يسعدني مع شخصيات رواياتي، قبل أيام أرسل لي أحدهم «هاشتاك» على {تويتر} بعنوان «رسالة إلى شخصية روائية»، وكتب البعض رسائل لذيذة إلى بعض شخصيات رواياتي، أحدهم أرسل إلى منيرة الساهي في رواية «القارورة» متسائلا: تتزوجيني؟ وآخر كتب: منيرة الساهي أنتِ شخصية خالدة بالفعل! وغيرها من العبارات، قد تختلف الذائقة من قارئ إلى آخر، لكن الشخصية المكتوبة بعناية، بكل تفاصيلها، تستحوذ على ذهن القارئ لسنوات طويلة، وأرى أن ما يكتب الخلود لشخصية روائية أن تكون حية وحيوية، شخصية نسمع حفيف أنفاسها، حركاتها وسكناتها، نشم رائحتها، نراها حتى بعد أن نقفل صفحات الرواية، ونهجرها، ننسى الرواية برمتها، لكن الشخصية تبقى في ذاكرتنا، حين نتعرض لموقف ما نتذكرها، نقابل شخصاً نتذكرها، نسمع ضحكة صادرة من مكان ما، حركة، التفاتة، هي شخصية غير مصطنعة، شخصية تلقائية ومقنعة، ملامحها لا تنسى، كلماتها وعباراتها لا تغيب عن الذاكرة، وثمة شخصيات روائية كثيرة خالدة أكثر من الروايات، بل أحياناً أكثر من الروائيين أنفسهم، فمن ينسى آنا كارينينا، أو مدام بوفاري؟ من لا يرى السيد أحمد عبدالجواد في ثلاثية محفوظ دائماً؟ أو وليد مسعود المناضل الفلسطيني لدى جبرا؟ أو الطالب العربي المغترب مصطفى سعيد في رواية «موسم الهجرة إلى الشمال» للطيب صالح، أو متعب الهذال في «مدن الملح» لعبد الرحمن المنيف ؟ كثيرة هي الشخصيات التي تلاحقنا منذ لقاء التعارف الأول لنا معها كقراء، أو نقع في عشقها أحياناً. عهيمنة الرقابة في ظل ما أتاحته مواقع التواصل الاجتماعي من حرية النشر ألا يزال للرقابة دور كبير على ساحة الأدب في المملكة؟ للأسف لا تزال الرقابة موجودة بشكلها التقليدي القديم، وهي الرقابة على مخطوطة الكتاب قبل نشره، بمعنى أن قسم الرقابة العربية في وزارة الثقافة والإعلام يشارك في رؤية الكتاب أو يتحكم بها، من خلال المطالبة بحذف فصول منه أو عبارات أو حتى رفض الكتاب بأكمله، يحدث ذلك للأسف رغم أن المملكة تقدمت في شتى الميادين، وطرحت «رؤية المملكة 2030»، وهي رؤية متقدمة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لكنها لم تتطرق إلى تحرير النشر من هيمنة الرقابة المسبقة على النشر، كل ما نتمناه أن تضيف الهيئة الجديدة، وهي الهيئة العامة للثقافة، بعداً جديداً للفعل الثقافي، ولصناعة النشر، ودعم الكتاب السعودي المطبوع في الداخل، من نواحي النشر والتوزيع والتسويق والانتشار، وقبل كل ذلك تحرير الكتاب المحلي من سطوة الرقابة التي تسبق مرحلة النشر، وذلك بمنح الناشر المحلي ثقة كاملة بما ينشره، ومحاسبته لو أخل بمواثيق النشر في الداخل، أي منحه السلطة والمسؤولية عما ينشر باسم دار نشره، على غرار ما يحدث في دول العالم، خصوصاً أن وهم تأثير الكلمة وسطوتها لم يعد قائماً، على مستوى الكتاب، بعد انفتاح الأفق عبر الإنترنت، فمن يرغب بالكتابة الحرة، وتجاوز المحظورات، يمكنه الكتابة الآن في مواقع التواصل الاجتماعي، «تويتر» و{فيسبوك»، وغيرهما، فلا جدوى من حصار الكتاب ومطاردته والتضييق عليه. صرحت سابقاً بأنك لا تنتظر شيئاً من النقد المحلي ولا تصنيفاته البائسة التي لا تضيف شيئاً إلى تجربتك الروائية. لا يوجد توازٍ بين المنتج الإبداعي العربي، وبين النقد التطبيقي، فكثير مما يُكتب في الصحف هو من قبيل عروض الكتب، وليست دراسات نقدية، لذلك هذا النوع من العروض لا يضيف شيئاً للأديب، ولا يكشف شيئا للقارئ، من هنا لا أجد ما يثير فيما يُكتب لدينا من قبيل الدراسات النقدية... كلما تذكرت مقولة غازي القصيبي الخالدة: «القمل والنقاد والحلاقون يعيشون من رؤوس الآخرين» ابتسمت بهدوء، فرغم عنف هذه العبارة وقسوتها، إلا أنها صادقة أحياناً، لا سيما مع نقاد المجاملات والكتابات الشخصية، فثمة من «يشخصن» كتابته النقدية لأسباب لا علاقة لها بالنص الروائي، فيكتب عن الروائي فلان، مادحاً أو شاتماً، بصرف النظر عن النص الروائي ذاته، وهذا ما روَّج لأسماء بعينها، وأساء لغيرها، مع ذلك كنت محظوظاً من النقد، خصوصاً النقد العربي، ومن الدراسات النقدية العميقة، ومن أبحاث الدراسات العليا التي تناولت أعمالي، ما يسعدني بالطبع، لكنها في النهاية لا تشكل مستقبل نصي الروائي، فما يشكل هذا النص هو شغفي بالكتابة، وقلقي الإيجابي، والأسئلة التي تقودني إلى دهاليز جديدة وغامضة. معادلة صعبة كسرت جدار المحلية بأسلوبك الخاص في كتابة أعمالك فكيف حققت المعادلة الصعبة؟ لأنني ببساطة أكتب عن الإنسان، إنسانيته المفرطة، همومه ومعاناته، أحلامه وخيباته، لذلك حتى وإن كان رجلا سعوديا، أو امرأة سعودية، فلا يعنيني ملبسه وهيئته، بل إنسانيته ومشاعره التي يشترك فيها مع البشر مهما تغيرت أشكالهم وعاداتهم. الأعمال الخالدة، التي نقرأها حتى اللحظة، تراهن على الإنسان، تلامس قلبه برهافة، وتطلقه من قفصه الصدري، ليرفرف، فمثلا أعمال دوستويفسكي وتولستوي وفلوبير وديكنز وغيرهم من رواد الرواية في العالم، أخلصوا للإنسان وحده، نسجوا عالمه وانكساراته، حتى تبقى شخصياتهم حيَّة، تتحرك أمام القارئ على مدى عقود وقرون، حتى حينما تنقل إلى لغات مختلفة، وتنشر في أزمان مختلفة، تبقى حاملة الرائحة الطرية ذاتها، لأنها نصوص معنية بالإنسان، ومكتوبة بلغة سلسة عذبة... هكذا أزعم أو أظن أنني أكتب، منذ شخصيات «فخاخ الرائحة» وحتى روايتي الأخيرة «غريق يتسلى في أرجوحة» مروراً بروايات «القارورة» و{نزهة الدلفين» و{الحمام لا يطير في بريدة». ترجمت أعمالك إلى لغات عدة فهل وصلت كما تريد؟ لا يهم أن تتُرجم أعمالي، أو أن تُحقق جوائز، المهم أن أكتب ما أحلم به، وأؤمن به، أن أخلِّص ذاتي الضالة من هذا القلق، وأجعلها تهدأ وتستكين بعد الكتابة، ما زلت أبحث عن النص الجمرة، النص السردي الكامل، الذي لا يجعلني أطمئن، بل يدفعني إلى مزيد من الكتابة، الكتابة هرباً من الموت. أحيانا أسأل نفسي: ماذا تريد من الكتابة؟ إلى أين تمضي بك؟ وأفكر أنني مثل حامل الفانوس في ليل المغارة، تلك المغارة التي تخبئ المجهول، بالضبط الكتابة هي الذهاب إلى المجهول عارياً إلا من الحب والوجد والأسئلة، فحين أكتشف أنني دخلت بفانوس يضيء أسرار الجدران، أتحسس قلبي جيداً، لأدرك أنني أسير في الطريق الصحيح نحو السر، لا أحتاج إلى أدواتي النقدية عند الكتابة، فانفعالاتي أثناء الكتابة هي انفعالات القارئ حينما يستلم عملي، أن أشهق لسلوك شخصية وفعلها، وردة فعلها، أو لوصف حالة أو مكان، يشعرني ذلك بالرضا، وهو ما أريده من الكتابة، أما ما بعد ذلك من نشر وترجمة ومبيعات وغيرها، فليست دوري، ولست معنياً بها بشكل أو بآخر. ما ملامح نصك الجديد؟ كلما كتبت نصاً وأمعنت في أسراره توقفت، في حال لا أجد قلبي فيه، لا أسمع نبضاته بين الكلمات، كثيراً ما يحدث لي ذلك، وقد أصبت به نهاية التسعينيات، لكنني تمردت عليه وكتبت خمسة أعمال روائية متتالية، ربما أنا مهموم الآن بما يحيط بي، بالعالم الذي يسير بجنون إلى المجهول، فمنذ أول شرارة أشعلها التونسي محمد البوعزيزي، في ديسمبر 2010، لاحقتني الأسئلة، وتتبعت خطواتي، حاولت أن أهرب من الواقع، من الثورات الحلم، من الربيع العربي الذي صار خريفاً، وبلا ملامح، إلى واقع آخر ابتكرته لنفسي، كتبت نصاً تاريخياً عن بدايات القرن الماضي، لكنني توقفت بعدما شعرت أنني أخفي رأسي في الرمل، كثيراً ما تعصف بي أزمات العالم، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فأحلم بإعادة ترتيب العالم من جديد، ترتيبه بالكلمات، أكتشف أنني كائن هش، وأنني أضعف من ذلك بكثير، وفشلت حتى في ترميم ذاتي الممزقة، أكتب نصا عن شخص يعاني الضياع وفقدان الهوية، ثم أشعر بالتهكم منه، ومن جدية النص، لأكتب نصا متهكماً يعبث بهشاشة مصائر البشر، هكذا أكتب نصوصاً أردم فيها ذاتي، لكنني أظن أنها ستنشر تباعاً يوما ما. المحيميد... نزهة الأدب المحيميد... نزهة الأدب ولد يوسف المحيميد في الرياض، وعمل في الصحافة سنوات، كتب القصة والرواية منذ الثمانينيات، وأصدر خمس مجموعات قصصية هي: {ظهيرة لا مشاة لها}، {رجفة أثوابهم البيض}، {لا بد أن أحداً حرك الكراسة}، {أخي يفتش عن رامبو}، {الأشجار لم تعد تسمعني}. أما في مجال الرواية فأصدر: {فخاج الرائحة}، {القارورة}، {نزهة الدلفين}، {الحمام لا يطير في بريده}، {رحلة الفتى النجدي}، {غريق يتسلى في أرجوحة}. شارك في مهرجانات وملتقيات عربية ودولية حول القصة القصيرة والرواية. حصل على جوائز عدة من بينها: {جائزة أبو القاسم الشابي للرواية العربية} عن روايته {الحمام لايطير في بريده}، و{جائزة الزياتور} الإيطالية للأدب العالمي عن روايته {فخاخ الرائحة}، جائزة معرض الكتاب السعودي عن رواية {رحلة الفتى النجدي}.

مشاركة :