تسييس الدين وتديين السياسة وجهان لعملة واحدة، وهما الطريق المعبد والنموذجي للخسارة المزدوجة، بحيث يصبح من يخلط بينهما كالمُنْبَت الذي لا ديناً قطع ولا سياسة أبقى! وتسييس الدين منذ بواكيره كان تعبيراً عن استراتيجية دنيوية بامتياز لأن الهدف هو تحصين الموقف السياسي ضد النقد، واصطباغه بقداسة ليست له أو من عالمه. وما أن يشرع إنسان ما ، في تسييس الدين حتى يكون قد تخلى عن الغايات الحقيقية لكل الأديان، وهي الدعوة إلى التعايش والوئام الإنساني والتسامح. تسييس الدين نختزله إلى بُعْد مادي يخضع لمقاييس الربح والخسارة، ويزجّ به في معارك ليست معاركه وصراعات لا تمت بصلة إليه. والتجارب التي عاشتها بعض المجتمعات وشهدت مثل هذا التسييس دفعت أثماناً باهظة، ومنها ما أدركه الندم، لكن بعد فوات الأوان. ومن محاصيل هذا التسييس للدين خلخلة المفاهيم ذات العلاقة بالوطن، والمعادلات الاجتماعية، وإن كان تسييس الدين يلحق أذي بجوهره وبرسالته فإن تديين السياسة يؤدي إلى الأيديولوجيا الأشبه بالزنزانة أو الشرنقة التي يسجن فيها العقل، فلا مجال للحوار أو الاعتراف للآخر بحق الاختلاف، لأن تديين السياسة هو بمثابة احتكار الحقائق وادعاء المعصومية، لهذا يضطر من يوظفون الدين لصالح السياسة إلى تقويل النصوص وليس تأويلها، وأحياناً يخترعون من خيالهم مرجعيات من شأنها تبرير أطروحاتهم، لكن عمر مثل هذه الحيل قصير، وتكذيبها يأتي من داخلها أولاً، لأنها تحاول المزاوجة بين الأضداد. وقد تكون أشد الحروب ضراوة، سواء كانت أهلية أو تقليدية من نتاج هذا الخلط بين المفاهيم، وحذف الفارق بين ما هو سماوي وما هو أرضي. إنها خسارة مركبة ومزدوجة يخسر فقهاؤها الدين والدنيا معاً. خيري منصور
مشاركة :