الإرهاب يضرب نيس.. لماذا فرنسا؟

  • 7/17/2016
  • 00:00
  • 44
  • 0
  • 0
news-picture

مساء الأربعاء الماضي، أي قبل يوم واحد من العملية الإجرامية البشعة التي ضربت مدينة نيس الفرنسية، تلقيت رسالة تليفونية من صديق فرنسي خبير في الحركات الإرهابية وسألته عن سبب إغلاق مقار الهيئات الفرنسية في تركيا. كان جوابه واضحاً بأن الإرهابيين سيضربون ولكن لا أحد يعرف أين؟ هذا ما حدث مساء اليوم التالي يوم الخميس الذي يوافق العيد الوطني لفرنسا. ففي الساعة الحادية عشرة ليلاً أقدم الانتحاري محمد لحويج بوبلال التونسي الجنسية على دهس جماهير المحتفلين بالعيد مخلفاً عشرات الموتى والجرحى. من حيث الشكل والجوهر، العمل إرهابي بامتياز ولا يتجاوز من حيث بشاعته ما قامت وتقوم به العصابات الإجرامية من داعش وأخواتها في فرنسا والعالم. التحقيقات الرسمية لا تزال جارية والمعلومات حول المجرم ودوافع ما أقدم عليه لم تعلن بعد، كما لم تعلن أية جهة تبنيها لهذه الجريمة حتى كتابة هذا المقال. مع ذلك، كانت فرنسا والفرنسيون يفكرون ويتصرفون وكأنهم بانتظار عملية إرهابية جديدة ربما لا تصل إلى حد ما حدث في يوم عيدهم الدامي. قبل يوم واحد من الاعتداء أجرى الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند لقاءً تلفزيونياً مباشراً مع اثنين من الصحفيين البارزين، وتحدث عن التحديات التي تواجهها فرنسا وما تتطلبه الظروف المتأزمة من اجراءات قاسية لا يجب أن تدفع إلى الإخلال باللحمة الوطنية التي وحدها يمكن أن تبقي فرنسا قوية وغير خائفة. كانت كلماته ذات مصداقية غريبة وكأنه في بداية ولايته التي لم يبق على نهايتها سوى القليل وهو ما أثار اندهاش الصحفي بوجادس. المسئولون الفرنسيون حكومة ومعارضة يعتبرون - ولأسباب ربما تكون مختلفة - أن فرنسا مستهدفة من الإرهاب أكثر من أي بلد آخر. هل هي كذلك؟ إذا استثنينا مناطق الاضطراب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، قد تكون كذلك. لماذا إذاً لا يكون دورها في مناطق الصراع ملموساً كما هو ظاهر في الدور الأمريكي والروسي. ذلك لأن الفرنسيين لا يظهرون بشكل مباشر إلا عند الضرورة القصوى وفي أماكن يعتبرونها «مسئوليتهم» المباشرة كما هو الحال في مالي وساحل العاج وتشاد وبعض مستعمراتهم القديمة. أما في ساحات المواجهة مع الإرهاب فيبدو أن المنظمات الإرهابية وتحديداً داعش والقاعدة يعرفون أكثر من غيرهم ما يفعله الفرنسيون. فرنسا لا تحارب الإرهاب والإرهابيين كأفراد ومنظمات فقط، بل تحارب الإرهاب كمنظومة لها كل سمات المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية. ذلك ما يحجب ربما دورها ويمثل نقطة الضعف في برنامجها الطويل المدى. في إحدى مشاركات رئيس الحكومة الفرنسية مانول فالس مؤخراً في الجدل الدائر حول التبرم المتنامي بين الفرنسيين حول استمرار حالة الطوارئ التي سنت في البلاد على اثر العمليات التي تعرضت لها فرنسا في نهاية السنة الماضية وبداية السنة الحالية، قال فالس: هذه السياسات مؤقتة لكنها ضرورية لكل الفرنسيين لأننا دخلنا في حرب قد تطول عشرين عاماً. اليوم، يأخذ الكثيرون ما قاله مانول فالس على مأخذ الجد ونوع الجريمة الجديدة يؤكد بشكل كبير مآلات النشاط الإرهابي إلى الأخذ بأساليب واستراتيجيات مطورة قد يكون في بعض معالمها ما يذكر بأساليب القاعدة. دولة داعش «كجسم» تتآكل اليوم ونهاية الموصل والرقة قد تكون أقرب من أي وقت مضى لكن نهاية داعش ككيان لن تعني نهاية الإرهاب بل قد تقدم داعش على ما هو أسهل وأكثر إثارة للاضطرابات ما قد يفتح لها أفقاً «وجدانياً» يعوض خسارة ما عملت عليه لسنين، يقول أحد المراقبين العراقيين معلقاً على سير الأحداث بعد طرد داعش من الفلوجة «قادة داعش هربوا أو قتلوا، لكن الدواعش العاديين سيبقون «نائمين» في ضيافة حواضنهم تحت الطلب». وإذا كانت الأمور تسير في هذا الاتجاه، أي باتجاه عمليات منتقاة فردية أو منظمة في بلدان منتقاة، فإن خطر الإرهاب العبثي القائم على إشاعة الاضطراب لتحقيق هدف خيالي عابر لكل معايير الحياة على الأرض لكنه قادر على استثمار النصوص المقدسة، يكون - هذا الخطر- جديرا بوضع خطة طريق واضحة المعالم ومفتوحة النهاية. أما الفرنسيون فهم أقوى مما يبدون عليه اليوم بالرغم من أن الجريمة مست مناسبة غالية على الشعب الفرنسي وهي تاريخ 14 يوليو. ما تقدم لا يعني أن فرنسا بريئة مما تلحقه بنفسها من أذى. على العكس من ذلك الكثير من المفكرين الفرنسيين يلقي اللوم على الحكومات الفرنسية المتعاقبة من يمين ويسار على سياسات التهميش التي يعيش في ظلها العرب المسلمون وبخاصة جيل الشباب حيث يلتحق العديد منهم في الشبكات الإرهابية نتيجة البطالة والضغوط الاجتماعية أكثر من الولاء لأيديولوجيا هذه المنظمة أو تلك والتي لا يفرقون بينها.

مشاركة :