حتى قبل أنْ يذوب الثلج ويظهر ما تحته، فإنه لابد من التساؤل عن المستفيد الفعلي والحقيقي من انقلاب مساء يوم الجمعة الماضي في تركيا، لو أنه نجح، لا سمح الله، ولو أنَّ إرادة الشعب التركي، بقيادة حزب العدالة والتنمية، وبقيادة الرئيس رجب طيب إردوغان الذي أثبت جدارته القيادية في السلام والحرب، لم تنتصر على إرادة المتآمرين والمغامرين... من المستفيد يا ترى، لو أن هذا الانقلاب قد نجح، ولو أن هذه المغامرة الانقلابية لم تحبط ويتم القضاء عليها قبل تحقيق أي نجاحات فعلية ولو قليلة ومحدودة؟! والجواب التلقائي، ومن دون أيِّ تجنٍّ، وبعيداً عن كل ما يمكن أن يعتبر نكاية سياسية؛ هو أنَّ المستفيد من هذا الانقلاب، لو أنه لم يفشل وبالسرعة التي تم إفشاله بها، هو روسيا الاتحادية بقيادة فلاديمير بوتين، وهو إيران... وبالتالي هو بشار الأسد الذي لولا الروس والإيرانيون لـ"كانت عظامه الآن مكاحل"، كما يقال، ولكانت قد تمت تنحيته منذ فترة سابقة بعيدة، وبالتالي لكانت سورية قد تجاوزت هذه المحنة القاسية، واستعادت شيئاً من استقرارٍ لم تكن قد نعمت به ولا في أي يوم من الأيام منذ عام 1949، وحتى انقلاب حافظ الأسد في عام 1970... وفي حقيقة الأمر حتى الآن. صحيح أنَّ رجب طيب إردوغان قد استدار استدارة "دراماتيكية"، بعدما ارتطم رأسه بجدران حقائق كثيرة، نحو روسيا الاتحادية، وأنه بادر إلى فتح صفحة جديدة مع الرئيس بوتين ومع الـ "كرملين" الروسي من دون لا شرطٍ ولا قيد، وعلى أساس عفا الله عما مضى، وكل هذا مع أنَّ موسكو بقيت تحتضن حزب العمال الكردستاني-التركي (الـ p.k.k) وبقيت تواصل احتلالها العسكري لسورية، واستمرت في عملياتها العسكرية المكثفة، ليس ضد "داعش" وباقي التنظيمات الإرهابية الأخرى وإنما ضد المعارضة السورية "المعتدلة". لكن الصحيح أيضاً هو أن فلاديمير بوتين كان قد تعلم من المرحلة الشيوعية أن فلاديمير إليتش لينين قد قال لرفاقه في الحزب الشيوعي، وفي الشيوعية العالمية كلها: "إنه عليك ألا تدع خصمك ينهض مرة أُخرى إنْ أنت تمكنت من إسقاطه أرضاً". وحقيقة أنَّ هذا ما كان ينتظره الرئيس الروسي عندما مدَّ يد المصالحة إلى رجب طيب إردوغان، وهنا فإن المؤكد أنه، أي هذا الرئيس الروسي، كان من الممكن أن يكون هو المستفيد الأول لو أنَّ انقلاب يوم الجمعة الماضي لم يفشل، ولو أن الذين قاموا به قد حققوا ما كانوا يسعون إليه، إنْ تُرْكياً وإنْ إقليمياً وإنْ دولياً... وهذا ينطبق أيضاً على نظام الملالي في طهران الذين كانوا لا يريدون، وما زالوا، دولة إسلامية في هذه المنطقة الشرق أوسطية أكبر وأهم من دولتهم المذهبية البائسة. وبالطبع، فإن هذا ينطبق أيضاً على بشار الأسد، على صغر حجمه في معادلة هذه المنطقة، وعلى ثانوية دوره في هذه المعادلة، فهو قد جرب ما الذي تعنيه أن تكون إلى جوار سورية من الجهة الشمالية دولة ديمقراطية بكل هذا الحجم وبكل هذه القوة، ولها علاقات مميزة وناجحة مع الغرب والشرق، ومع معظم الدول العربية الأساسية والرئيسية... ولذلك فإنه كان بانتظار نجاح هذا الانقلاب الفاشل، على أحر من الجمر... والمثل يقول: إن الطيور على أشكالها تقع!
مشاركة :