الانقلاب في تركيا: إردوغان يفوز بالجولة الأولى من قتال طويل

  • 7/18/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

«لم يتوقعه أحد!»، تلك كانت العبارة الأكثر تداولا في التحليلات التي ظهرت بمختلف أرجاء العالم حول محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، الأسبوع الماضي. ومع ذلك، ربما تكون هناك مؤشرات على أن بعض الأفراد على الأقل، بينهم الرئيس رجب طيب إردوغان، ربما توقعوا هذه المحاولة، وإن كان توقعهم لم يرتبط بهذا التاريخ على وجه التحديد. وتبدو مسألة شعور إردوغان بالقلق من «شيء ما يجري التدبير له»، واضحة تماما بالنظر إلى السرعة التي نجحت بها قوات الأمن من إلقاء القبض على أكثر من 6.000 من خصومه الفعليين أو المشتبه بهم في غضون 24 ساعة فقط؛ ما يكشف عن أن مثل هذه العملية لا بد أنه قد جرى التخطيط لها مسبقا، ربما تحسبا لمثل هذا اليوم. أيضا من بين الإجراءات التي يبدو أنها جرى الإعداد لها منذ أمد بعيد تطهير القضاء والاستخبارات والشرطة. وبحلول وقت كتابة هذا المقال، تعرض قرابة 3.000 قاض وأكثر من 7.000 ضابط، تصل رتب بعضهم إلى لواء، للفصل. ويعتقد بعض المراقبين الأتراك، أن «إردوغان خطط بالفعل للتخلص من خصومه في إطار ما يطلق عليه (الدولة الموازية) في غضون الأسابيع القليلة المقبلة». وكان من المفترض أن تأتي الخطوة الأولى في 15 أغسطس (آب)، موعد انعقاد المجلس الأعلى للأمن الوطني الذي يترأسه لدراسة خطط لإجراء عملية إعادة هيكلة كبرى للقوات الأمنية والعسكرية، كما تتضمن هذه الاجتماعات الموافقة على قوائم الترقيات والتقاعد في صفوف العسكريين. وعليه، يعتقد مراقبون أن بعض الضباط الذين ظنوا أن وقت رحيلهم اقترب قرروا شن انقلاب كضربة استباقية. الملاحظ أن الانقلاب تألف من مجموعة محورية تضم 48 ضابطا رفيع المستوى، بينهم خمسة جنرالات. ومن المعروف أن اثنين منهم على الأقل سبقت له المشاركة في آخر انقلاب عسكري كبير وقع عام 1980 بقيادة الجنرال كنعان إيفيرين. وربما يمثل هذا السبب وراء التزام قادة الانقلاب بخطة كلاسيكية جرى وضعها منذ أكثر من 30 عاما، بما في ذلك الأمر بفرض حظر تجول وإعلان تشكيل مجلس عسكري والسيطرة على المباني الاستراتيجية، مثل محطات الإذاعة والتلفزيون ومكاتب الصحف الكبرى. إلا أن القائمين على الانقلاب الأخير تخلوا عن عنصرين مهمين من الانقلاب السابق: أولهما: ضمان التمتع بدعم سياسي يمكن الاعتماد عليه قبل إصدار أوامر للقوات بالنزول إلى الشوارع. الملاحظ أن جميع الانقلابات العسكرية السابقة في تركيا جرت بالتنسيق الوثيق مع حزب الشعب الجمهوري، الذي يعد الكيان السياسي المعبر عن النخبة الأتاتوركية ووسيلة التواصل بين الجيش التركي والمجتمع بوجه عام. عام 1960 كان الجنرال جمال كورسيل، رئيس هيئة الأركان الذي قاد انقلابا ضد حكومة الرئيس جلال بايار، قد وافق بالفعل على تشكيل حكومة مؤقتة أجازها حزب الشعب الجمهوري قبل أن يتحرك بالفعل لتنفيذ الانقلاب. وجرى اتباع الأسلوب ذاته عام 1971 عندما أمر قائد الانقلاب الجنرال ممدوح تاغماك السياسيي بتشكيل حكومة جديدة تحت إشراف المؤسسة العسكرية. وأثمر انقلاب عام 1980 بقيادة الجنرال إيفيرين حكومة تكنوقراط في معظمها، لكنها تمتعت في الوقت ذاته بدعم سياسي كبير. والملاحظ أن المؤسسة العسكرية التركية تجنبت دوما تولي الحكم بصورة مباشرة، مكتفية فقط بالرئاسة، وهو منصب كان دوما شرفيا في الجزء الأكبر منه. أما انقلاب الأسبوع الماضي فلا يحظى بدعم سياسي واضح، وربما كان هذا هو السبب وراء اتخاذ القائمين عليه قرارا بقصف مقر البرلمان في أنقرة لإرهاب السياسيين، وحتى من قبل أن يتضح فشله، أدين الانقلاب من جانب جميع الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان. أما العنصر الثاني من الانقلاب السابق الذي جرى التخلي عنه هذه المرة، فهو هوية المجلس العسكري المقترح. خلال انقلابات أعوام 1960 و1971 و1980، تولى قيادة الانقلاب أكبر مسؤول عسكري بالبلاد باسم حماية المؤسسات العلمانية والثقافة الأتاتوركية بالبلاد. هذه المرة، لم يشارك في الانقلاب أي من أكبر 100 جنرال عسكري بالبلاد. الأهم من ذلك، أن القائمين على الانقلاب بعثوا برسائل متضاربة حول هويتهم السياسية؛ ما يسّر على إردوغان مهمة اتهامهم بالعمل لحساب «الدولة الموازية» بقيادة رجل الدين المنفي فتح الله غولن. وكان من شأن مسارعة بعض أنصار غولن داخل البلاد وخارجها لإعلان تأييدهم للانقلاب، منح مصداقية أكبر لادعاءات إردوغان. كما لجأ غولن نفسه إلى رد فعل متأخر؛ الأمر الذي ساعد في الترويج لحديث إردوغان عن وجود «مؤامرة» من جانب «الدولة الموازية». ومع وسمهم بطابع غولن، لم يجد إردوغان صعوبة في عزل الانقلابيين. وقد نظر الكثير من الأتراك إلى الانقلاب باعتباره صراعا بين فرعين من الحركة الإسلامية المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين. ورأى الأتاتوركيون أنه ما من ثمة فائدة وراء التخلص من إردوغان لينتهي الحال بالبلاد في قبضة نظيره غولن الذي عاون حزب العدالة والتنمية بادئ الأمر في الوصول إلى السلطة. ورغم عدم رضاهم عن إردوغان، فإن القاعدة الانتخابية الديمقراطية الأوسع في تركيا لم تشعر بأدنى تعاطف مع الانقلابيين بسبب علاقاتهم المشتبه بها مع غولن وشبكاته المريبة من الاتصالات التجارية والأمنية والدينية والعسكرية. وقد أيدت هذه القاعدة الانتخابية الانقلابات السابقة لما حملته من وعود بالعودة إلى الحكم الدستوري وإجراء انتخابات حرة، لكن هذه المرة لم يطرح أي وعود من هذا النوع. وبالنظر إلى المواقف الراهن، يتضح أن إردوغان فاز بجولة أخرى في صراعه مع خصمه وحليفه السابق. إلا أنه رغم تلويحه بعلامة نصر ابتكرها بنفسه تتألف من رفع أربعة أصابع، كان قد تفتق عنها ذهنه للتعبير عن أمله في انتصار الإخوان المسلمين في مصر، يخرج إردوغان من هذه الأيام القلائل ضعيفا للغاية. ويحاول إردوغان حاليا تصوير انتصاره التكتيكي باعتباره نتاج دعم شعبي له تمثل في خروج بضعة آلاف للشوارع في إسطنبول وأنقرة لرفض الانقلاب. بيد أنه في حقيقة الأمر يدرك إردوغان جيدا أن الانقلاب فشل ليس بسبب حشود أنصار حزب العدالة والتنمية، وإنما لتعرضه للرفض من قبل القوات المسلحة التركية والنخبة السياسية. ومن بين المؤشرات التي توحي بالفعل أن إردوغان خرج ضعيفا من هذه الجولة أنه اضطر إلى الاتصال هاتفيا بقيادات الأحزاب لطلب دعمهم واقترح عقد اجتماعات لمناقشة مستقبل الأوضاع بالبلاد. ويحمل هذا التصرف أهمية خاصة؛ لأنه ظل يرفض على مدار عامين الحديث إلى الخصوم والمعارضين الذين جعل من إهانتهم عادة له. كما يتضح وهن إردوغان من اضطراره إلى التوسل إلى قيادات الجيش لتوفير نقل جوي له كي يتمكن من العودة إلى أنقرة.

مشاركة :