قرية عبيه الوادعة في جبل لبنان تحتضن عدداً من العائلات اللبنانية العريقة، وهي تضم أبنية مزخرفة رائعة الجمال، فضلاً عن معالم تاريخية وتراثية مهمة. فقد اختارها الآباء الكبوشيون مركزاً، وأسسوا فيها ديراً مهماً وميتماً رائداً في القرن السابع عشر، وكذلك المدرسة العالية الأميركية وكلية اللاهوت في النصف الأول من القرن التاسع عشر على يد المرسلين الأميركان. وتعتبر مؤسسة بيت اليتيم الدرزي الخيرية الضاربة في القدم، والتي تحتضن في كنفها مقام السيّد عبدالله، محجاً للجميع وهي من أهم المؤسسات على مستوى لبنان. وفي هذا الجو، أسس الشاب اللبناني سلام حمزة متحفاً جسّد فيه براعته بالنحت على الخشب معطوفاً على عشقه للدراجات النارية، ما أضفى على البلدة الجبلية رونقاً ملؤه التجدد والدينامية. لم يحمل حمزة هذه الموهبة المميزة من نعومة أظافره، بل اكتشفها منذ سنوات. وهو يجسّد الشكل النموذجي للدراجة بكل تفاصيلها، فتغدو وكأنها مستنسخة للدراجات النارية بالحجم الطبيعي. واللافت ها هنا أنه يجسّد هذه الدراجات من دون رؤيتها بل ينقلها بكل براعة عن الصور. ويوضح حمزة: «اكتشفت موهبتي قبل سنوات عدة، واخترت الدراجات النارية الكبيرة لإقامة مجسمات خشبية لها بحجمها الطبيعي، لأنها مرغوبة من قبل الكثيرين، وتتميز بأشكالها الفريدة المختلفة عن بعضها بعضاً، وتتجدد دائماً بأشكالها وأحجامها وفقاً للشركات المنتجة لها». ويضيف: «قبل البدء بعمل الدراجات الخشبية، سعيت ليكون لدي صالة عرض خاصة، حفظاً لأعمالي الفنية من التلف أو الضرر، وتسهيلاً على الناس لزيارتها والإطلاع عليها. ولذا أسست صالة صغيرة في الطابق العلوي من منزلي، ما زالت هي الصالة الوحيدة لدي في ظل غياب أي دعم من أية جهة». ويقول: «أختار الدراجات النارية غير المألوفة عند الناس في لبنان، فأصنع الدراجات الألمانية والأميركية وغيرها. كما يضم متحفي مجسماً خشبياً لأول دراجة نارية من نوع هارلي صنعت في العالم، ومجسماً لأول دراجة استخدمها الجيش الأميركي». ويفتخر حمزة بعمله وموهبته قائلاً: «كثيرون ممن يزورون متحفي من طلاب المدارس تتكون عندهم طموحات بالإختراع والإبتكار. فعندما يرون هذه الدرجات الخشبية مصنوعة بكل تفاصيلها الدقيقة بطريقة يدوية بحتة، يدركون أنه لا شيء مستحيل أبداً». ويتابع: «تأتي بعد ذلك مرحلة رسم الدراجة على الخشب وفقاً للرسمة الأولى الموجودة على الأوراق… وهكذا كل قطع الدراجة وأقسامها»، مشيراً إلى أن بعض الدراجات الخشبية يتكون من 1000 قطعة، والحد الأدنى نحو 300 قطعة. ساعات وأيام طويلة يقضيها المبدع الشاب في «نحت» وتجسيد دراجاته الخشبية الفريدة، حيث يقصد محبو الدراجات النارية بلدة عبيه لمشاهدة المتحف المميز من نوعه. ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل إنّ المتحف الرائد أمسى مكاناً مستحباً يرتاده الزوّار في جبل لبنان والمناطق اللبنانية كافة. وعن الوقت الذي يستغرقه عمله يقول: «بعض الدراجات ذات الحجم الكبير جداً يستغرق تحويلها إلى مجسم خشبي مكون من نحو ألف قطعة خشبية ستة أشهر تقريباً. أما المجسمات ذات الحجم الأصغر فتستغرق ما بين الشهر والشهرين». يستخدم حمزة الخشب ذا الجودة الممتازة لتنفيذ قطعه، وهو استفاد بذلك من عمله ومهنته في تصنيع المطابخ الخشبية الحديثة. ويذكر أن عمله لاقى استغراباً من قبل الناس، ولكن هذا لم يفت من عضده إلى أن نفّذ ما عنّ على باله، وأقام صالة للعرض جمع فيها 7 دراجات نارية». وكان الافتتاح الذي أقامه حمزة مدعاة دهشة للحضور الحاشد الذي تقدمه وزير الزراعة اللبناني أكرم شهيب بالتنسيق مع نقابة المحترفين والمصنعين التقليديين وجمعية شباب وشابات عبيه. حفل الافتتاح كان في آب (أغسطس) عام 2015، حيث أشاد شهيب بفكرة إقامة هذا المتحف «الذي هو الأول من نوعه في لبنان إن لم نقل في الشرق الأوسط». وأضاف «عودتنا عبيه دائماً على احتضان كل تميز وابتكار، ودعم كل مبادرة خيرة ومتميزة. والتميز سمة من سمات هذه البلدة الكريمة، موقعاً، جمالاً، أهلاً، علماً، تراثاً، وحكمة اتقياء، نعتز بها دائماً». ويتوجه حمزة إلى الدولة اللبنانية بأنه «من واجبها دعم الفنانين بكل الوسائل وبكل طرق الدعم، وذلك من أجل التشجيع ودعم السياحة في البلاد». ويقترح أن يتم تأسيس جمعية أو لجنة خاصة للفنانين من أجل الإهتمام بهم، فـ”الكثير من الفنانين اللبنانيين مكسورو الجناح”، على حد تعبيره. وأخيراً، يرفض حمزة في شكل قاطع فكرة السفر للخارج وعرض موهبته، قائلاً: «أنا أعزز موهبتي هنا في لبنان، ليكون عملي ومتحفي على أرض لبنان إلى الأبد، وأطمح إلى إقامة عدد من المتاحف المماثلة في بيروت والمناطق السياحية اللبنانية».
مشاركة :