تابعنا والعالم بأسره خلال الأيام الماضية المحاولة الانقلابية الفاشلة التي حدثت في دولة تركيا الإسلامية، والتي لم يكتب لها النجاح بفضل من الله أولاً ثم بإرادة الشعب التركي بمختلف ألوانه وأطيافه ومكوناته السياسية والحزبية، فلقد أثبت الشعب التركي العظيم للعالم بأسره أنه سيد القرار وصاحب الكلمة الفصل بتضامنه والتفافه حول قيادته، موقناً بوعيه وثقافته ومدى إدراكه أن حكم العسكر لا خير فيه، معطياً لشعوبنا العربية بل وللعالم بأسره أروع دروس الانتماء للوطن قبل الزعيم أو الحاكم، مثبتاً أنه السلاح الأقوى الذي لا يغلبه سلاح آخر من الأسلحة التقليدية التي كانت بيد الانقلابيين. فرأينا صوراً رائعة من البطولة كرجل يرمي بجسده أسفل إحدى الدبابات ولسان حاله قائلاً في إشارة ذات دلالة إن أردتم إنجاح انقلابكم على الديمقراطية التي اخترناها منهجاً وطريقاً لوطننا فلتعبروا فوق جسدي، وغيره الكثير والكثير من الصور الرائعة التي عبر بها الأتراك عن حبهم لبلدهم. كيف لا والمنطقة من حولهم تغلي وتموج بالفتن والصراعات التي لا يُعلم متى ستنتهي وتهدأ، وكأنهم يقولون لأنفسهم وللعالم هل جُننا لنخرب بيوتنا ووطننا بأيدينا وننخدع وننساق وراء شرذمة من المقامرين بمستقبل الوطن؟! إنه الوعي المتجسد في أروع وأسمى صوره، والإدراك الذي وصل إليه أبناء هذا البلد بفضل سياسات رشيدة وحكيمة من قبل قيادة سعت بعزم وإخلاص وضمير لبناء الإنسان قبل بناء المدن والمصانع والمعامل، فاهتمت بالتعليم والبحث وجعلته هدفاً لها لتنير به عقولاً وتبني به أمجادا. ما حدث في تلك الليلة الظلماء في تركيا أنموذج ودرس لشعوب المنطقة العربية والعالم بأسره يجب أن يُحتذى به ويُدرس ويُسلط الضوء عليه من آن لآخر ويُحكى للأجيال القادمة. عبروا من خلاله عن حب الوطن والخوف عليه من الفتنة التي كانت ستنزلق إليها الدولة التركية نحو مستقبل مظلم ومجهول لا يعلمه إلا الله إن نجح ذلك الانقلاب. وعلى الأنظمة التي غرقت في الفوضى أن تدرك كذلك أن أقوى الأسلحة التي يجب عليهم اقتناؤها وامتلاكها لتنجيهم في أوقات المحن والشدائد ليست البنادق والمدافع والطائرات، بل الشعوب وقلوبها، التي عليهم امتلاكها بتحقيق العدالة والحرية والمساواة والعمل على توفير سبل ووسائل الحياة الكريمة لها، لتكون السيف البتار والدرع الحصين في مثل تلك الليالي الظلماء التي ربما يلوح ظلامها يوماً ما.
مشاركة :