ما حدث في تركيا من محاولة انقلاب فاشلة يثير الدهشة في جوانب عدة، وبعيدًا عن مديح الديمقراطية، وموقف رئيس البرلمان التركي، والأعضاء في البرلمان من أحزاب المعارضة، وتصريحه بالوقوف مع الشرعية ودعم الحكومة المنتخبة، وبعيدًا عن موقف الشعب التركي وخروجه في الشوارع دفاعًا عن إرادته، ويقينه بأنه لو أراد إقصاء أردوغان من الرئاسة يومًا، فسيفعل عبر صناديق الاقتراع، لا على يد العسكر، ومن فوق دبابة، وبهجوم طائرات على ممتلكات الدولة من مبان حكومية وغيرها! فما حدث هناك هو أحد دروس الديمقراطية الحرة، التي تحترم رأي الأغلبية، فبالرغم من أخطاء هذا الرئيس وحكومته، خاصة على المستوى الخارجي، في التعامل مع القضايا الإقليمية، إلا أن أكثر من خرج دعمًا له هم ممن يتحدثون عن أخطائه ليل نهار، لكنهم يدركون جيدًا أن إبعاده لن يتم بيد العسكر، وإنما بيد الشعب ذاته الذي وقفت أغلبية أصواته معه في مرحلة الانتخابات! المثير حقًا هو ردود فعل السعوديين على ما يحدث في تركيا، سواء من أنصار أردوغان، أو ممن يرفضونه مطلقا، ويرون فيه نموذجا إخوانيا حالمًا بعودة زمن الخلافة العثمانية، خاصة في موقفه من الحكم في مصر، إلى درجة ارتفاع حدة الصراع بين هذين الفريقين، بما يشعر معه المتابع أن أنصاره أصبحوا أتراكا أكثر من الترك أنفسهم، من حيث درجة اهتمامهم بالرئيس، وتبرير أفعاله وتصرفاته، وعدم مناقشتها، حتى عندما أعلن عن التطبيع مع إسرائيل، رغم وقوفه لسنوات مع حماس، ومع الفلسطينين في رحلة فك الحصار عن غزة! في المقابل كان رافضو حكمه من السعوديين، وكما لو كانوا أتراكًا، أو ممن لهم حق التصويت له أو ضده، استبسلوا في التبشير بهذا الانقلاب العسكري، وسخروا منه كثيرًا، وبقي ليلة السبت الماضي مشتعلة على مواقع التواصل الاجتماعي، بين هذين الفريقين المتحزبين له أو ضده، رغم أن الأتراك أنفسهم حين خرجوا إلى الشوارع، لم يخرجوا لأجله، وإنما لأجل وطنهم وديمقراطيتهم وحريتهم، خرجوا يحملون رايات وطنهم، لا صور الخليفة المنتصر، كما يؤمن به أتباعه من خارج تركيا، الدولة ذات الدستور العلماني! كثيرًا ما تمنيت أن نترك شؤون الآخرين لأنفسهم، فهم أدرى بمصالحهم، ووطنهم، وأن ننصرف إلى شؤوننا ووطننا، فانتماؤنا يجب أن يكون لهذه الأرض، وإخلاصنا لوطننا وقادته، وللراية الخضراء التي ترفرف ب: لا إله إلا الله، أما ما يحدث خارج حدودنا، فلنا أن نتحدث حوله، نناقشه، نتفق أو نختلف بوعي، لكن ليس بحماس وشتائم كما لو أننا ننتمي لهذه البلاد أو تلك! قد يقول البعض إن هذه دولة إسلامية، وعلينا أن نقف مع استقرارها، هذا صحيح، لو كانت تعاني من غزو، وتدخل خارجي، لكنهم أكثر وعيا ومعرفة بشؤونهم، وأكثر خبرة في السير بوطنهم نحو الاستقرار والهدوء.. حفظ الله تركيا وشعبها العزيز من النزاعات والفوضى.
مشاركة :