باريس: ميشال أبو نجم في لقاء مع مجموعة صحافية في باريس، لم يخف الباجي قائد السبسي، رئيس حزب نداء تونس، طموحاته الرئاسية ولا رغبة حزبه في تسلم مقاليد السلطة في تونس إن وفرت له صناديق الاقتراع هذه الفرصة. وإذا كان أعلن لـ«الشرق الأوسط» في حديث سابق، أن «الطموح مشروع»، وأنه «لا شيء يمنعه من أين يكون رئيسا للجمهورية التونسية»، فإنه في اللقاء بباريس، ربط ترشيحه بأمرين: الأول، إن لم يكن هناك «مرشح أفضل» منه، والثاني أن يكون «حيا وبصحة طيبة». ولا تبدو السن عائقا بوجه هذا السياسي الذي لا ينسى شيئا وينضح بحيوية كبيرة. وفي أي حال، فإنه يقدم ترشحه ليس من باب الطموح الشخصي، بل كواجب وهو يقول: «كلما مرت بلادي بمخاضات صعبة، لم أتأخر في تلبية النداء». ويبدو السبسي مؤمنا بحظوظه الرئاسية وبحظوظ التشكيلة السياسية التي يقودها رغم ما ألم بها أخيرا من انقسامات. كذلك فإنه يعتقد أن نهاية حكم الترويكا، أي عمليا نهاية حكم النهضة، كانت خيرا على تونس لأنها قربتها من النظام الديمقراطي من جهة، ووضعت حدا لسنتين «تراجعت خلالهما تونس قرنين»، من جهة ثانية. فحكم النهضة كان «كارثيا» وأوصل البلاد إلى «حافة الإفلاس». وبرأيه، فإن رد فعل البورصة التي عاودت الارتفاع وانتعاش الدينار دليل على الأمل الموضوع في الحكومة الجديدة، والثقة التي توحيها ما يعززه مسارعة صندوق النقد الدولي إلى منح تونس قرضا يزيد على 500 مليون دولار كان مجمدا بسبب الأوضاع السياسية المتأرجحة. فضلا عن ذلك، فإن ردود فعل العواصم العالمية على اعتماد الدستور وتشكيل الحكومة يعيد، برأيه، الثقة المفقودة. وكانت الرئاسة الجمهورية الفرنسية سارعت أول من أمس إلى الإعلان أن الرئيس هولاند سيحضر يوم السابع من فبراير (شباط) المراسم الاحتفالية بالدستور الجديد. ولم يتردد هولاند، في الأسابيع الماضية، من عد تونس، «مثالا» يحتذى لبلدان الربيع العربي. وما يشير إليه الرئيس الفرنسي ضمنا، يفصح عنه السبسي صراحة، إذ يرى أن ما حصل في مصر ساعد التونسيين على القيام بالخيار الصحيح، حيث فهموا أن ما هو مطروح عليهم هو إما النموذج المصري أو خيار الحوار الوطني الذي أنهى حكم النهضة وفتح الباب لإقرار الدستور الجديد والمجيء بحكومة محايدة. ويؤكد السبسي أنه لعب الدور الأول في إقناع زعيم النهضة راشد الغنوشي بالتخلي طوعا عن السلطة تفاديا لإدخال تونس في متاهات انعدام الاستقرار والعنف. ووفق ما يقوله، فإن إسلاميي تونس أظهروا أنهم «يتحلون بمزيد من الواقعية والبراغماتية»، مما جعلهم يفضلون المسار الديمقراطي مقارنة مع إسلاميي مصر، مضيفا أن الغنوشي «لاقى صعوبات كبيرة» في إقناع جماعته بصواب خياره. بيد أنه يبدي بعض التخوف من التعطيل الذي قد يلجأ إليه نواب «النهضة» الذين ما زالوا يتمتعون بالأكثرية النسبية في الجمعية التأسيسية ووضع العراقيل أمام الحكومة الجديدة لأنهم ربما «لم يهضموا» خسارتهم لها. لكن السبسي، بالمقابل، ورغم تأييده للحكومة الجديدة، فإنه ينبهها ويدعوها إلى الاهتمام بـ«تطلعات الشعب في مسائل البطالة والفقر»، وخصوصا طبقة الشباب والمتعلم منه، حيث إن هناك 300 ألف شاب حامل للشهادات العليا من أصل 700 ألف من العاطلين عن العمل. ويشدد السبسي على الحاجة لمعالجة موضوع الأمن الذي «تدهور كثيرا»، مشيرا إلى الأعمال الإرهابية التي عرفتها تونس، ومنها عمليات الاغتيال على أنواعها. بيد أنه يرى أن الأمور «تتحسن»، وأن تونس «أقل تهديدا اليوم مما كانت عليه بالأمس، حيث لم تكن بعيدة عن حال الفوضى». وينظر السبسي لمستقبل حركته بكثير من التفاؤل لأنها «حزب الأكثرية»، ولأنها «أعادت التوازن» للمشهد السياسي الداخلي «مقابل النهضة»، لكنه يمتنع عن الخوض في التحالفات القادمة التي ستعمد إليها حركته، تاركا ذلك للمستقبل ولنتائج الانتخابات التي رجح الدعوة إليها في شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. وردا على الذين يغمزون من قناة «نداء تونس» ويعدون أنه يضم الكثير من أنصار النظام السابق، يرد السبسي على ذلك بالقول، إنه «ليس هناك جماعات بن علوية، هناك تونسيون أخيار، وآخرون أشرار، ويعود للقضاء أن يفصل في أمرهم». وباستثناء هؤلاء، فالجميع مواطنون تونسيون «لهم الحق في المشاركة في الحياة السياسية وليس لأحد أن ينزعه عنهم». ويختم السبسي قائلا: «علينا تحاشي العزل وليست هناك عودة للفلول». ويلقي السبي نظرة على ما هو جار عند الجار الجزائري وعند «صديقه» الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي لعب دورا في التقريب بينه وبين راشد الغنوشي، والذي زاره بناء على دعوة منه قبل شهر ونصف الشهر. ويؤكد السبسي أمرين: الأول، أن بوتفليقة «ما زال يمتلك كافة قواه الذهنية»، والثاني أنه «ينوي الترشح» لولاية رابعة. لكنه، رغم ذلك يتساءل: «هل سيستطيع الترشح بسبب وضعه الصحي؟ لست أدري».
مشاركة :