«على بلاطة» أقولها: هذا المقال لا يعرض حلولا للمشكلة التي يطرحها، لكنه يَتكفل بقرع أجراس الخطر، ويُسهم في دق طبول الإنذار، فأحداث مجتمعنا الأخيرة لم تبقِ ولم تذر، ولم تترك مجالا إلا للتنبه والحذر، بعد أن جاءنا الخطر من غرف منازلنا المتجاورة، ومن بين أفراد أسرنا ظهر. أتحدث عن بيوتاتنا، نعم عن بيوتاتنا! عن تلك الغرف المتجاورة فيها، عن أمتار يُخططها ربُ الأسرة كي تؤويه وتؤوي أبناءه وبناته، فلا يفصل بين جدران غرفة نومه وبين جدران غرف نومهم سوى «سنتيميترات» معدودات، فلم يخطر ببالنا مطلقا أن يداهمنا الخطر ممن يجاوروننا قرابة وسكنا ومعيشة ومصيرا! إلا أن ما شاهدناه مؤخرا من حوادث وأحداث، ومآس وجراح، وغرائب وعجائب غيرّت وبدلت كل القناعات، فباتت الغرف المجاورة لغرفتكما سيدي الأب، سيدتي الأم مصدرا للخطر، يستدعي ذلك السؤال العريض: هل بات الوالدان- في زمن كهذاـ قادرين على قراءة مخرجات كل غرفة من غرف منزلهما؟، هل تتوافر لديهما كقائدين لهذا المنزل حاسة استشرافية لتوجهات ذاك الشاب أو تلك الفتاة؟، أو بلغة صريحة بيضاء: هل باتت الغرف المتجاورة في بيوتاتنا مأمونة الخطر؟. أعلم جيدا أنه سؤال صادم، ولكن الحقيقة صادمة أيضا، كما أدرك أن الوجع كبير، لذا واجب علينا كآباء وكأمهات أن نواجه تلك الحقيقة المُرّة، وأن نطرح على أنفسنا بشجاعة وجسارة وواقعية سؤالا مقابلا: ما الذي تخبئه لنا غرف أولادنا المجاورة لغرفتنا من مفاجآت؟، بعد أن تبدلت طبيعة المعيشة، وتغيرت أساليب الحياة وظروفها تغيرا جذريا عمّا كان عليه في السابق. أليس من الصعوبة بمكان على الأب حاليا تربية ابنه وبنته بتلك الطريقة التي ربّاه أبوه عليها!!، في ظل توافر نمط معيشي مغاير، من أبسط أشكاله عدم توافر الغرف الخاصة، أو الفردية على النحو الذي انعزل فيها الشاب أو الشابة وحيدين في وقتنا الحاضر، فالغرفة الواحدة آنذاك كانت تضم أكثر من اثنين إلى ثلاثة أولاد، ومثلها للبنات، ودون تذمر أو امتعاض، إنما الحياة المشتركة والجميلة، وحس السعادة الغامرة والمكشوفة لكل أفراد الأسرة، ساعد على ذلك عدم توافر أجهزة هاتفية أو إلكترونية شخصية كالمتوافرة في الوقت الحاضر، وجميعنا يعلم التغيير الجذري الذي صنعته مثل هذه الأجهزة الذكية في طبيعة حياتنا، وفي نمط حياة الأسرة الواحدة، ويكفيك أنها حققت لهؤلاء الأبناء عالما افتراضيا سرّيا وغامضا، وأسهمت بشكل كبير في ضمور فكرة التواصل الأسري مع من حولهم، وكرّست عزلتهم الموحشة داخل تلك الغرف المغلقة الغامضة. في ظل هذا الوضع الرمادي لا يتوجب علينا كآباء وأمهات المكابرة أبدا، ولا ادعاء المثالية نهائيا، فالتربية لم تعد ثقة فحسب بل أبعد من ذلك، فالغرف المجاورة في المنزل الواحد خرج منها من فَجّر نفسه وفجّر الأبرياء معه، ومن سَهُل عليه تفخيخ جسده والذهاب بقدميه للموت، والغرف المجاورة أظهرت من هم أشد خطرا وإجراما وتحت ذرائع صدقوها وآمنوا بها، أبناء هجموا من غرفهم على غرفة والديهم كالوحوش الضارية شاهرين السواطير والمسدسات والسكاكين لذبحهما، خرج من هذه الغرف من كَفّر أفراد أسرته، ونعتهم بالخونة، فكيف لا يكفر العالم بأسره، ولأن القضية شائكة، والمصيبة كبيرة فقد تحدثت في هذا الجزء من المقال عن صورة من صور الخطر القادم من غرف منازلنا المتجاورة لأترك للجزء الثاني صورة أخرى لا تقل خطرا عن سابقتها!!
مشاركة :