لندن: «الشرق الأوسط» أعلنت المحكمة العليا في لندن أول من أمس أن صندوق الثروة السيادية الليبي يلاحق قضائيا مصرف غولدمان ساكس الأميركي العملاق بتهمة «الاستغلال المتعمد» لقلة خبرة مسؤوليه من أجل تحقيق أرباح بقيمة 350 مليون دولار على صفقات بمليار دولار. وتتهم المؤسسة الليبية للاستثمار التي أنشئت في 2006 لإدارة العائدات النفطية للبلاد، بنك الاستثمارات بـ«كسب ثقة» مديريه الذين تنقصهم الخبرة ودفعهم إلى الدخول في صفقات «غير موثقة بالشكل الكافي» على منتجات مشتقة. وبحسب الصندوق الذي تساوي أمواله ستين مليار دولار، فإن المصرف «استغل ضعف سلطة الاستثمار الليبية» ودفعها إلى إبرام تسع صفقات على منتجات مشتقة مع شركات مثل سيتيغروب وشركة كهرباء فرنسا وسانتاندير ومجموعة إيني للطاقة بهدف «تحقيق أرباح طائلة» قيمتها الإجمالية مليار دولار (740 مليون يورو). وتمت الصفقات التسع التي بلغت قيمتها مجتمعة مليار دولار، في مطلع عام 2008 لكنها فشلت مع الأزمة المالية، بحسب تفاصيل كشفتها المحكمة العليا الخميس. ويؤكد الصندوق أن الصفقات «خسرت قيمتها بشكل شبه كامل» مع الأزمة المالية وباتت لا تساوي شيئا مع انتهاء مدتها عام 2011. وعلى الرغم من الخسائر، يؤكد الصندوق أن المصرف خرج من الصفقات بأرباح قدرها 350 مليون دولار (257 مليون يورو). ويبدو أن مسؤولي سلطة الاستثمار الليبية كانوا يجدون صعوبة في فهم المنتجات التي يستثمرون فيها بسبب «خبراتهم المحدودة للغاية في المجال المالي» وهو ما استغله مصرف غولدمان ساكس مستخدما من أجل ذلك «خبرته المالية الهائلة». وقالت متحدثة باسم غولدمان ساكس إن هذه الادعاءات «لا أساس لها»، مؤكدة أن المصرف «سيدافع عن نفسه بقوة». ويؤكد الصندوق أن مديرين كبارا في غولدمان ساكس بمن فيهم إدريس بن إبراهيم ويوسف كباج حاولوا التأثير على موظفي سلطة الاستثمار الليبية من خلال هدايا صغير ورحلة إلى المغرب. وجاء في الشكوى التي قدمت الأسبوع الماضي أن كباج رئيس عمليات المصرف في ليبيا وبن إبراهيم رئيس قسم التعاملات مع الأسواق الناشئة في المصرف «أكدا لصندوق الاستثمار الليبي أنه من زبائن غولدمان ساكس الاستراتيجيين الأساسيين». وتابعت الشكوى أن «غولدمان استغل بشكل غير مقبول ضعف سلطة الاستثمار الليبية، وشجعها على الدخول في صفقات موضع شك، بهدف أن يحقق غولدمان أرباحا طائلة». وبحسب بيان للمؤسسة الليبية للاستثمار تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه تشير الأوراق القانونية التي قدمتها المؤسسة إلى اللاتوازن الكبير في مستويات الخبرة المالية والتي كانت محدودة جدا لدى العاملين في المؤسسة حينها مقارنة بالخبرة المالية لغولدمان ساكس؛ خاصة أن المؤسسة في ذلك الوقت كانت قد تأسست حديثا وبدأت عملها كصندوق سيادي خلال السنوات الأخيرة من حكم المقبور. ويضيف البيان «منذ أواخر 2007 وحتى ما بعد تنفيذ التعاملات موضوع الدعوى، أبدى موظفو غولدمان ساكس جهودا مكثفة فسروها على أنها بهدف تدريب وتطوير العاملين في المؤسسة الليبية للاستثمار، وذلك للحصول على الحرية المطلقة في الوصول إلى مكاتب وأنظمة وبيانات المؤسسة؛ كما أنهم أبدوا كرما بالغا في استضافة موظفي المؤسسة». وبحسب البيان «تشير المستندات القانونية أيضا إلى نقص في الوثائق القانونية لهذه الاستثمارات الاستغلالية، حيث لم يكن البنك يكشف عن تفاصيل الاستثمارات الفعلية التي استخدمت فيها الأموال إلا بعد مرور أسابيع (وأحيانا أشهر) على إتمام المعاملات. وعندما تلقّت المؤسسة هذه التفاصيل وبدأت تدرك الطبيعة الحقيقية لاستخدام الاستثمارات موضوع الدعوى، بات واضحا لديها وجود نوع من إساءة استغلال الثقة التي ائتمنت عليها غولدمان ساكس. وجاء في البيان تأكيد عبد المجيد بريش رئيس مجلس إدارة المؤسسة الليبية للاستثمار منذ يونيو (حزيران) 2013، أن «الظروف الخاصة وقتها قد وفّرت لبنك غولدمان ساكس القدرة على استغلال الخبرة المالية المحدودة جدا للمؤسسة -أيضا في حينه، مما مكّن البنك من توظيف مكانته ونفوذه عن سابق قصد في ممارسات أدت إلى خسائر جسيمة لدى المؤسسة، قابلتها أرباح بارزة لدى غولدمان ساكس». وأضاف بريش: «على الرغم من أن هذا الاستغلال غير العادل كان مرتبا عن سابق قصد من جهة غولدمان ساكس، فإن الأخير كان يعزف بشكل مستمر على وتر الشراكة الاستراتيجية والعلاقة طويلة المدى بين البنك والمؤسسة. وهو لم يكن في ذلك صادقا». وأكد المسؤول الليبي: «اليوم، تسعى المؤسسة الليبية للاستثمار بصفتها الصندوق السيادي الليبي إلى التعويض عن هذه المبالغ الكبيرة، خاصة أنها تسعى للاستثمار وتحقيق عائدات لصالح الشعب الليبي في هذه المرحلة المهمة من بناء وتطوير الدولة بعد ثورة 2011». تجدر الإشارة هنا إلى أنه لدى غولدمان ساكس مهلة 14 يوما للاطلاع على الدعوى قبل المضي قدما بالإجراءات القانونية. وأنشئت المؤسسة الليبية للاستثمار في 2006 كصندوق سيادي، مقره الرئيس في طرابلس، ليبيا. وتقدّر قيمة الأصول الحالية للمؤسسة بنحو 60 مليار دولار أميركي، نحو 50 في المائة منها هي استثمارات في أكثر من 550 شركة من خلال مستندات مالية ومحافظ استثمارية متنوعة. بعد تغيّر النظام الليبي في 2011، تم البدء في عملية إصلاحات واسعة في المؤسسة ومراجعات لأصولها واستراتيجيتها، شملت مراجعات لكافة الاستثمارات القائمة والسابقة. وقد شارفت هذه العملية على الانتهاء، وسيجري اعتماد استراتيجية جديدة للاستثمار بدءا من الربع الأول من 2014. وتقول المؤسسة الليبية للاستثمار إنها تركز على دعم جهود الاستقرار الاقتصادي لصالح الأجيال الحالية والمقبلة، وعلى تنمية موارد الاقتصاد الوطني الليبي وتنويعها، والاستثمارات في مشاريع البنية التحتية الرئيسة في ليبيا.
مشاركة :