دعا خبراء وتربويون إلى الاهتمام بتوعية الشباب المقبل على الزواج بكيفية إنشاء أسرة مستقرة، والحفاظ على مؤسسة الزواج مهما قابلها من مشكلات وتحديات، وأكدوا لـ«^» أن الشباب في العصر الحالي يفتقر إلى الكثير من المعلومات والخبرات التي لم تعد الأسرة تقدمها لهم على النحو المطلوب لأسباب عدة، فضلا عن تحديات العصر الحديث، الأمر الذي يتطلب توفير دورات متخصصة تؤهل الشباب المقبل على الزواج، وهي الدورات الموجودة في المجتمع من خلال بعض الجهات والمؤسسات، لكنها تظل تخدم نسبة قليلة من الفئات المستهدفة، مطالبين بالتوسع فيها وسن قوانين تلزم المقبلين على الزواج بخوضها والإفادة منها.
وكان ألقى مغردون على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» باللائمة على مؤسسات الدولة لتقصيرها في التصدي لظاهرة ارتفاع معدلات الطلاق التي تتزايد عاما بعد الآخر، وذلك بعد كشف وزارة التخطيط التنموي والإحصاء في نشرتها الشهرية الأخيرة عن ارتفاع نسبة الطلاق في قطر في شهر مايو الماضي بواقع 125 حالة مقابل 81 حالة في شهر أبريل الذي يسبقه بنسبة %54.
وأكد المغردون أن هناك غياباً فعلياً وواقعياً لدور مؤسسات الدولة المعنية بالأسرة عن علاج المشكلة أو إعلان الوضع بأنه «مشكلة»، متسائلين عن المؤسسات التي كان عليها أن تقوم بدراسات وأبحاث في هذا لكنها لم تفعل.
من جانبها أكدت الخبيرة والاستشارية النفسية الدكتورة أمينة الهيل، أهمية إجراء الدراسات والأبحاث حول مشكلة تزايد معدلات الطلاق في قطر، لما لها من دور في الكشف عن الأسباب التي تقف خلفها لعلاجها بالطريقة المثلى، وقالت «إنه سبق وأجرت دراسة ماجستير تتعلق بهذا الأمر عن التوافق النفسي وعلاقته بالمتغيرات النفسية والاجتماعية، موضحة أن أسباب الطلاق تختلف من حالة إلى أخرى نظرا لطبيعة الشخص نفسه ولأنماط الشخصية والاختلافات الموجودة بين فرد وآخر.
وعددت «الهيل « في حديثها لـ«^» الأسباب الأكثر شيوعا في حالات الطلاق، ومن بينها تدخل أسرتَي الزوجين، الأمر الذي قد يعقد بعض الأمور ويزيد من مشكلات قد تكون بسيطة في أولها، كذلك الزواج من بيئات مختلفة، حتى لو كان بين الاقارب، وأيضا اختلاف نمط المعيشة، موضحة أن وصول الزوجين إلى نقطة التفاهم والتقارب يحتاج إلى وقت ، ولا يحدث فور الزواج، مشيرة إلى الدراسات التي تؤكد أنه إذا مر 5 سنوات على الزواج، تكون الزيجة أكثر استقرارا وأقل تعرضا للطلاق، والذي غالبا ما يحدث في الفترة الأولى من الزواج، وذلك بسبب اختلاف البيئات، وعدم وجود تنازل أي من الطرفين ،وتزايد العناد بينهما وغيره من الأمور التي تصعِّب بعض المواقف وتزيد التأزم فيها، ومن ثم يحدث الطلاق.
وأوضحت أن «اختلاف البيئات والثقافات الغربية عن المجتمع أيضا يمكن أن يكون عاملا قويا للطلاق، وأيضا وجود تفاوت المستوى الاقتصادي والاجتماعي بين الزوجين، لافته إلي أن النبي محمد صلي الله عليه وسلم ، حث على وجود التكافؤ بين الزوجين ، لأن وجود فجوة كبيرة بين مستوى الزوجين والتعود على نمط معيشي محدد يصعِّب الأمور، خاصة إذا كان من ناحية المرأة التي لا تتمكن من التأقلم مع حياتها الجديدة، أو عندما تكون غير مُقدرة وواعية، فلا بد أن يحدث الطلاق هنا».
تجرِبة رائدة
ودعت الدكتورة أمينة الهيل، منظمات المجتمع المدني بتحمل مسؤولياتها في هذا الشأن والقيام بالتوعية اللازمة للمقبلين على الزواج، مشيدة بتجرِبة مؤسسة الشيخ ثاني بن عبد الله للحدمات الانسانية «راف» في هذا الصدد، من خلال مشروعها «إعفاف» لتأهيل المقبلين على الزواج، الذي خرَّج أكثر من 1000 شاب وفتاة، مؤكدة أهمية مثل هذه المبادرات، لأنها إذا دربت 100 من المقبلين على الزواج ، ونجح 10 منهم في بناء أسرة صالحة وسوية فسوف يكون هذا نجاحا، وتابعت: سبق أن شاركت لمدة دورتين في إعفاف، ووجدت فيها اهتماما كبيرا من المتدربين بالمعلومات والنصائح التي كنا كمدربين ومحاضرين نقدمها لهم، وهناك من حرصوا على طلب أرقام هواتفنا واتصلوا بنا فيما بعد لنقدم لهم الاستشارات اللازمة، لأنهم وجدوا من يمكنه إرشادهم إلى الطريق الصحيح واقتنعوا بأهمية هذا».
وترى د. الهيل أن المدارس أيضا تقوم بواجبها في هذا الشأن، من «خلال الأنشطة اللا صفية التي نقوم فيها بتوعية الطلاب والطالبات، كذلك المناهج التي تتناول دور الأسرة في المجتمع وأهميتها، وتعطَى هذه المفاهيم للطلاب بشكل غير مباشر، وأرى أنه بتضافر كل الجهود بين البيت والمدرسة والمؤسسات المختلفة المعنية، وعلى رأسها المجتمع المدني، سيكون هناك نتائج أفضل في تقليل معدلات الطلاق في مجتمعنا».
من جانبه يرى الداعية والتربوي خالد أبو موزا أن هناك أسباباً عدة مجتمعة يمكن أن نعزو إليها ارتفاع نسبة الطلاق في المجتمع، بعضها رئيسي والآخر فرعي، منها الجهل بحقيقة دور الأسرة والزواج، وواجبات وحقوق الرجل والمرأة، وقال «عندما أقوم بإعطاء دورات وأتوجه للمتدربين بسؤال عن الفرق بين التربية والرعاية، أجد آباء يجيبون بأنهم ينفقون على الأبناء، ويحضرون لهم كل طلباتهم، وأنهم لا يقصِّرون معهم في أي شيء، ويفعلون كذلك من أجلهم، ولكنني أرد عليهم بأن ما تقومون به رعاية وليس تربية للأبناء.
وتابع: عندما ضاع مفهوم التربية حدثت مشكلات عدة نراها الآن واضحة في المجتمع، فنحن كآباء وأمهات نهتم بالرعاية على حساب التربية التي لها علاقة بالسلوك والأخلاق، وبعالم الأفكار والمهارات، وهكذا، بالتالي كانت النتيجة وجود شباب وشابات ليست لديهم هذه المهارات، ولا يعرفون شيئا عن الحقوق والواجبات وعن دور الأسرة وأهميتها، لذا فمن أول تصادم يقع الطلاق بين الزوجين.
وأضاف : أن الأمر الآخر الذي يمكن أن يكون سببا في الكثير من حالات الطلاق هو الاستغناء عن الآخر، فالآن المرأة تعمل ولديها راتب وأموال، وعندما يأتي الزوج لممارسة حقوقه وإدارة البيت تقول له أنا مثلك ولديَّ راتب مثلك وهكذا، فالبيت الذي من المفترض أن يكون له قائد واحد، وهو الزوج، أصبح له قائدان، وعندما يلعب الطرفان دور القائد فلا بد أن تغرق المركب».
وعن الحلول المقترحة لهذه المشكلة المتفاقمة يشير «أبو موزا «إلى تجرِبة دولة ماليزيا التي ارتفعت فيها نسب الطلاق إلى %40، مما دفعها إلى عقد مؤتمر شامل شارك فيه تربويون وعلماء نفس واجتماع ودين، وكل التخصصات المتعلقة بالأسرة، وطلبوا منهم مناقشة الأزمة والخروج بتوصيات يصدر بها تشريع وقانون ملزم، وكان منها عدم الموافقة على أي عقد زواج إلا بترخيص، ويكون الحصول على هذه الرخصة بعد دخول المقبلين على الزواج في دورة على مدار 3 شهور، يتعلمون فيها كل ما يتعلق بإنشاء أسرة صالحة ومستقرة، «وبرغم أن كل مجتمع له خصوصياته وتجربته التي تختلف عن الآخر، وأيضا اختلاف أسباب الطلاق في كل مجتمع عن الآخر، التي يتعين علينا التعرف عليها من خلال دراسات ومؤتمرات خاصة بمجتمعنا، فإن فكرة الرخصة والدورات هذه مهمة للغاية، ويمكنها أن تحل الكثير من المشكلات ويكون لها مردود إيجابي، مضيفاً : عندما الزمنا طلاب الجامعات بالحصول على شهادات مثل التويفل والآيلتس كشرط لدخول الجامعة بدأت مستوياتهم في اللغة تتحسن، ورأينا طلابا متميزين للغاية فيها، وكما ألزمنا المقبلين على الزواج على إجراء فحص طبي لا يتم العقد من دونه، يمكن أيضاً أن نلزمهم بالقانون على الحصول على دورات تأهيلية عن الزواج، فالاستشارات العائلية الآن تقوم بمهمة إعطاء دورات، كذلك جهات أخرى، لكن عدد المقبلين عليها قليل للغاية لأنها ليست إجبارية، وعن طريق مثل هذه الدورات التي يمكن أن تسهم في القيام بها جهات عدة ومؤسسات مختلفة، يمكن غرس الكثير من الجوانب الاجتماعية والنفسية المطلوبة في الزواج، والتعريف بالكثير من الأمور والجوانب التي تكون غائبة عن المقبلين على الزواج».
وطالب «ابو موزا» بعقد مؤتمر موسع لمناقشة هذه الأزمة وطرح الحلول اللازمة التي يتعين تنفيذها على الفور، بعدما أصبحت نسبة الطلاق كارثية، وقال: «إلى متى ننتظر؟ لا بد أن يكون هناك دور للتربية والتعليم وللأوقاف ولمجلس الشورى وكل مؤسسات المجتمع، تطالب علماء النفس والاجتماع والتربية بدراسة الظاهرة واقتراح حلول، ولا بد من تضافر كل الجهود وإصدار توصيات دقيقة يصدر بها قوانين تلزم الشباب بحضور الدورات المتخصصة للإفادة منها في بناء أسر صالحة ومستقرة».;