متحف الآثار الغارقة.. تاريخ تحت الماء

  • 7/21/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة: الخليج تسابق مصر الزمن من أجل تدشين متحفها الجديد للآثار الغارقة، الذي سيكون الأول من نوعه حيث يجري العمل على تشييده في قاع البحر المتوسط بمدينة الإسكندرية، ليضم العديد من القطع الأثرية النادرة التي عثر عليها خلال العقدين الماضيين في مياه المتوسط، والتي تروي العديد من الحكايات عن عصور شتى مرت على مدينة الثغر المصرية. ويقول آثاريون مصريون، إن متحف الآثار الغارقة بالإسكندرية سيكون الأول من نوعه ليس في مصر وحدها، بل وفي منطقة الشرق الأوسط، مشيرين إلى أن المتحف الجديد سيكون نتاجاً لتجمع الآثار المصرية الغارقة، التي استطاعت هيئة الآثار انتشالها في السنوات الأخيرة، بالتعاون مع بعثات أجنبية متعددة، عقب عمليات بحث وتنقيب استمر لسنوات، باستخدام تقنيات حديثة. نوعيات مختلفة من السائحين. وتعول وزارة السياحة المصرية على المتحف الجديد في اجتذاب نوعيات مختلفة من السائحين إلى مصر، خاصة من هواة ومحبي رياضة الغطس تحت الماء، إذ إن التجوال في المتحف الجديد لن يكون بالملابس العادية، وإنما بملابس الغوص في رحلة مثيرة، تجمع بين فنون الغطس والتمعن في تراث القدماء. وكانت الحكومة المصرية قد أسندت في وقت سابق لإحدى الشركات الأوروبية المتخصصة مهمة إجراء الدراسات الفنية اللازمة لتدشين المتحف بتكلفة مبدئية قدرت بنحو نصف مليون دولار، قبل أن تعلن منظمة اليونسكو قبل سنوات رعايته، والمساهمة في تدشينه، وفق أحدث التقنيات المتحفية، التي تمكن للزائر من غير هواة الغطس مشاهدة الآثار الغارقة. المتحف الجديد سوف يقام بالقرب من خليج أبي قير في الإسكندرية، وقد اختير هذا المكان، نظراً لطبيعة الخليج وعمقه البسيط نسبياً على مسافة طويلة جداً، وهو العمق الذي يوفر أفضل رؤية للزائر، فضلاً عن طبيعة الخليج التي يعتبر أحد أهم مواقع الآثار الغارقة في مصر، فهو يطوي في أعماقه صفحات عديدة من الحضارة المصرية القديمة، ظلت مغمورة ومجهولة لقرون طويلة، حيث تضرب تلك المنطقة بجذورها حتى العصر الفرعوني، عندما كانت دلتا النيل تتكون من سبعة أفرع، وكان أقصى هذه الفروع غربا يسمى الفرع الكانوبي، وهو أهمها، فكان أساس الحياة والنشاط البشري في هذه المنطقة، حيث كان أصلح فروع النيل للملاحة والمنفذ الرئيسي لمصر على البحر المتوسط قبل تأسيس الإسكندرية، وقامت على ضفافه مجتمعات عمرانية وحضارية مثل مدينة كانوب، التي كانت تشتهر بمعبد سيرابيس، وكذلك مدينة مينوتس ومدينة هيراقليوم، التي كانت تشتهر بمعبد هيرقل. وعلى الرغم من تأسيس الإسكندرية في العام 332 قبل الميلاد، وانتقال النشاط التجاري إليها، فإن المنطقة ظلت مزدهرة بفضل معابدها، التي كان الناس يفدون إليها من كل مكان، وظلت هكذا حتى العصور المسيحية، فأخذت المعابد في الاضمحلال، إلى أن فقدت أهميتها حتى يقال إنه مع أواخر القرن الرابع الميلادي غرق العديد من المعابد، ويروى أنه مع القرن الثامن الميلادي، لم يرد أي ذكر لهذه المنطقة في المصادر التاريخية، وترددت تساؤلات عن أسباب اختفاء هذه المدن، هل كان مردها إلى أحد التحولات البيئية أو الجيولوجية في خليج أبي قير، مثل ارتفاع مستوى البحر أو انخفاض مستوى الأرض، أم كل هذه العوامل. كانت هذه التساؤلات أحد الدوافع الرئيسية للباحثين في العصر الحديث للكشف عن التراث الغارق في خليج أبي قير، حيث جرت أولى المحاولات الجادة على يد الأمير عمر طوسون في العام 1933، وهو العام الذي استعان فيه طوسون ببعض الغواصين لانتشال رأس الإسكندر الأكبر، ليتم بعد ذلك رسم أول خريطة للآثار الغارقة في خليج أبي قير، قبل أن يبدأ المعهد الأوروبي للآثار الغارقة بالتعاون مع هيئة الآثار المصرية في العام 1996 مشروعاً جديداً للكشف عن هذا التراث الغارق، باستخدام أجهزة التردد المغناطيسي وأجهزة مسح القاع وأجهزة تحديد المواقع الجغرافية بالأقمار الصناعية، وقد أسفرت أعمال المسح الأثري التي استمرت عامين، عن عمل أول خريطة تحت مائية دقيقة، توضح المواقع الأثرية المهمة بخليج أبي قير، ومنها موقعان، يقع الأول إلى الشرق من الساحل بنحو كيلو مترين، والثاني إلى الشرق من الموقع بنحو 4 كيلو مترات، أي 6 كيلو مترات عن الساحل، وتم كذلك تحديد طبوغرافية الخليج ومستويات أعماقه وخط الساحل القديم. } مينوتس وتعد أطلال مدينة مينوتس الغارقة هي أبرز المعالم الرئيسية التي سوف يتمكن الزائر من مشاهدتها تحت مياه المتوسط في متحف الإسكندرية الجديد، وهي المدينة التي يصل تاريخها إلى نحو 2500 عام، وقد تم العثور على أطلال لها وتماثيل في معابدها، إلى جانب مئات من الأعمدة والكتل الحجرية مختلفة الأشكال والأحجام، وقد كشف فريق للتنقيب مؤخراً عن عشرات من القطع الذهبية بعضها يرجع للعصر البيزنطي، والبعض الآخر للعصر الإسلامي، وتحديداً العهد الأموي، مما يشير إلى استمرار الحياة بالمنطقة قبل غرقها، حتى القرن الثامن الميلادي. ويضم متحف الآثار الغارقة في الإسكندرية أطلال مدينة هيراقليوم، التي تقع إلى الشرق من الموقع السابق بنحو 4 كيلو مترات، وهو الموقع الذي يحوي العديد من المباني الضخمة والتماثيل التي تصور الملوك بالطراز الفرعوني، إلى جانب سلسلة من الحفريات توضح مسار مصب الفرع الكانوبي، وهو الأمر الذي سوف يحول المتحف إلى قبلة لعلماء الجيولوجيا من مختلف دول العالم، لدراسة التطورات الجيولوجية في هذه المنطقة، عبر أول متحف من نوعه في مصر والشرق الأوسط تحت الماء.

مشاركة :