قال الشاعر جميل صدقي الزهاوي : مثل الحكومة تستبد بحكمها مثل البناء على نقا متهيل المثل التركي يقول (إذا فسدت السياسة ذهب السلطان) ومايحدث في تركيا هذه الأيام هو نوع من اﻻستبداد وانتهاك صارخ لحقوق الإنسان وكان بالإمكان إلقاء القبض على الرؤوس الكبيرة في الجيش الذين خططوا ونفذوا الانقلاب المزعوم وتقديمهم للمحاكمة ووأد الفتنة في مهدها وعودة الأمور إلى طبيعتها والمياه إلى مجاريها بدون الفجور في الخصومة والتمادي في إهانة الضباط والجنود في الجيش التركي الذين يتلقون الأوامر والتعليمات وينفذونها والكثير منهم لم يكن يعلم بالانقلاب فمثلا الجنود الذين شاركوا في عملية اعتقال الرئيس التركي أوردوغان تلقوا أوامر بالقبض على إرهابي مهم في منتجع منطقة مارماريس التي كان يتواجد به الرئيس قبل الانقلاب. إن السلطات التركية لم تكتفي بإهانة الضباط والجنود الذين شاركوا بالانقلاب ولكن تجاوزت ذلك إلى عزل آﻻف القضاة والمدرسين وعمداء الكليات وموظفيين حكوميين تجاوز عددهم 60 ألف مواطن تركي بحجة انتمائهم لجماعة المعارض فتح الله غولن المقيم في الوﻻيات المتحدة الأمريكية وتتهمه الحكومة التركية بأنه وراء محاولة الانقلاب المزعومة. أيضا الحكومة التركية أعلنت حالة الطوارئ لمدة 3 شهور وذلك لتكملة عملية التطهير الواسعة التي تقوم بها السلطات التركية لكل من يشتبه به أن له علاقة بجماعة المعارض غولن وهي طبعا تغطية على تصفية كل خصوم الرئيس أوردوغان وإزاحة كل المعارضين له والمعروف أن في تركيا أحزاب معارضة سلميا بدون اللجوء إلى العنف وما يحدث هو إجهاض للنظام الديمقراطي في تركيا وتحويله إلى نظام الحزب الواحد وهو حزب التنمية والعدالة الذي ينتمي للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين أو بتعبير آخر هو أخونة الدولة . إن الانقلاب الفاشل في تركيا تحوم حوله الشبهات وعلامات اﻻستفهام لأنه انقلاب غامض يختلف كثيرا عن بقية الانقلابات المعروفة في المنطقة لأن الانقلاب يبدأ عادة بالقبض على رئيس الدولة وأعضاء الحكومة والشخصيات المهمة المحسوبة على النظام وأيضا السيطرة على كل وسائل الإعلام وتكون البداية من الأرض وليس الجو بتحرك من القوات البرية التي تطوق كل المرافق الحكومية المهمة وكذلك فرض حظر للتجول وكل ذلك لم يحدث وهناك فرضية أن اﻻستخبارات التركية التابعة للرئيس هي من خططت ونفذت الانقلاب حتى يتم تصفية خصوم النظام وإطلاق يده في التحرك بحرية سواء داخليا وخارجيا خاصة أنه في الآونة الأخيرة انتهجت الحكومة التركية سياسة تصفير العلاقات التي أعلن عنها رئيس الوزراء التركي والتي من ملامحها عودة العلاقات المتوترة مع بعض الدول إلى سابق عهدها مثل العلاقات مع إسرائيل وروسيا وإيران وسوريا وكذلك مصر ولو أن العلاقات بين مصر وتركيا من الصعب عودتها لأزمة الثقة بين اليلدين. هناك احتجاج أمريكي وأوروبي على الإجراءات التي اتخذتها الحكومة التركية بعد الانقلاب والتي من المؤكد أنها سوف تؤثر على العلاقات التركية الأمريكية لأن أمريكا من المتوقع اأن ترفض تسليم المعارض فتح الله غولن الذي تطالب به تركيا وكذلك سوف تلقي الإجراءات التركية الأخيرة بظلالها على العلاقات التركية الأوروبية التي سوف يكون لها تأثير بالغ على محاوﻻت تركيا اﻻنضمام للاتحاد الأوروبي والسوق الأوروبية المشتركة وإن كان هناك أمل يلوح بالأفق في السابق ولكن الآن تلاشى هذا الأمل وعلى تركيا أن تطوي هذه الصفحة لأن الدول الأوروبية سترفض بشدة الطلب التركي بعد الإجراءات الأخيرة. إن أي ديمقراطية في العالم ﻻ يمكن أن تكون لها مصداقية واستمرارية بدون معارضة حقيقية وكذلك تداول سلمي للسلطة لأن ما يحدث في تركيا هو اجتثاث للمعارضة التركية التي تختزلها الحكومة التركية في جماعة المعارض غولن فهذه معارضة لتيار إسلامي متشدد ولكن تركيا يوجد بها أحزاب يسارية معارضة ولها تاريخ وكانت موجودة في السلطة قبل وصول حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي له الرئيس أوردوغان في سنة 2002 . ختاما نقول إن الأيام أو الأشهر القادمة حبلى بالأحداث في تركيا بعد أن يكتشف الشعب التركي أن هناك تصفية حسابات وإقصاء لأي معارضة تركية وهيمنة مطلقة لحزب التنمية والعدالة وسيكون الرئيس التركي أوردوغان هو الآمر الناهي بعد تحويله النظام إلى نظام رئاسي ونقل صلاحيات رئيس الوزراء إلى رئيس الدولة وهناك توقعات بتغيير الدستور الذي يمنع تطبيق عقوبة الإعدام وتفصيله على مقاس حزب الرئيس حتى يضمن السيطرة على مقاليد الأمور مدى الحياة. أحمد بودستور
مشاركة :