إن من أصول الاعتقاد عند أهل الإسلام: الإيمان بالقدر كله حلوه ومره، وذلك يتضمن أمرين: أحدهما: الإيمان بعلم الله المحيط بالأشياء كلها، فإن الله تعالى قد أحاط بكل شيء علما، فعلم كل شيء على ما هو عليه قبل كونه علم ما كان وما يكون وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، وكتب ذلك في اللوح المحفوظ قبل خلق السموات والأرض بزمن طويل قال تعالى: ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير، وقال تعالى: وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين، وقال تعالى: والله على كل شيء قدير، وفي الصحيحين عن عمران بن حصين - رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (كان الله ولم يكن شيء قبله- وفي رواية: معه وكان عرشه على الماء ثم خلق السموات والأرض وكتب في الذكر أي الكتاب السابق كل شيء)، وفي صحيح مسلم من حديث عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة). الثاني: الإيمان بقدرة الله الشاملة ومشيئته النافذة، فإنه تعالى على كل شيء قدير وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فلا يكون شيء إلا بمشيئته، ولا يوجد إلا بخلقه، قال تعالى: والله على كل شيء قدير، وقال تعالى: الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل، فلا خالق غيره سبحانه ولا مدبر لهذا الملك سواه كما أنه لا رب للعالمين سواه ولا معبود بحق سواه. فإذا علم ذلك وتقرر، فإنه لا يحدث في هذا الملك علويه وسفليه ظاهره وخفيه وجود ولا عدم ولا حركة ولا سكنة ولا حياة ولا موت ولا نفع ولا ضرر إلا بعلم سابق منه سبحانه وتعالى قد كتب في اللوح المحفوظ، وبمشيئة نافذة وقدرة شاملة كان بها ذلك الحدث، فإنه لا يكون في ملكه شيء إلا بعلمه ومشيئته وخلقه إذ هو سبحانه وحده مالك الملك كله، يديره بعلمه وحكمته وقدرته ومشيئته ورحمته وفضله وجزائه وعدله. ومن هنا: ندرك خطأ بعض الكتاب حين يكتبون (شاء القدر)، (ثم تدخل القدر)، إلى غير ذلك من العبارات التي أحسب أنهم يكتبونها بحسن نية، وهي غير لائقة ممن يؤمن بقدر الله تعالى، ذلكم لأن مثل هذه العبارات توهم جملة كبيرة من القراء فتضعف إيمانهم بالقدر كله بأوجه منها: 1- أن ذلك يوهم أن القدر متطفل في تدخله طارئ على ما دخل عليه، بينما الاعتقاد الحق أن كل شيء بقدر فإن القدر سر الله في الخلق ونظام الملك. 2- أن ذلك يوهم أن ما كان قبل ما وصف بتدخل القدر لم يكن بقدر بل هو أمر عشوائي وقع بالصدفة. 3- أن فيه إضافة المشيئة إلى القدر لا إلى المقدر، والمشيئة صفة له سبحانه لا للقدر الذي هو فعله وأثر مشيئته. لذا فالمتعين على المؤمنين بالله واليوم الآخر وقضاء الله وقدره أن يهجروا مثل هذه الألفاظ التي من شأنها إضعاف عقيدة الإيمان بالقدر والقضاء، وأن يلتزموا بالعبارات الشرعية التي أرشد إليها الله تعالى في كتابه ونبيه - صلى الله عليه وسلم - في صحيح سنته: مثل قوله تعالى:كل من عند ربنا، وقوله - صلى الله عليه وسلم - (ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل)، وأن يقولوا: (كان من قدر الله كذا وكذا)، بعدًا عن هذه المحاذير ونحوها من اللوازم الباطلة وأخذا بما أدب الله به أهل الإسلام من الأخذ بالألفاظ التي تكون دلالتها واضحة وهجر الألفاظ المحتملة عملا بقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا. المصدر: الشيخ عبدالله القصير
مشاركة :